📜اَلنَّص مَوْضُوع القراءة و التحليل :
لَيلَةُ وَدَاعٍ
( إِلَى زَوْجَتِي ٱلْوَفِيَّةِ )
أَوْصِدِي ٱلْبَابَ ، فَدُنْيَا لَسْتِ فِيهَالَيْسَ تَسْتَأْهِلُ مِنْ عَيْنَيَّ نَظْرَه .سَوْفَ تَمْضِينَ وَ أَبْقَى .. أَيُّ حَسْرَه ؟أَتَمَنَّى لَكِ أَلَّا تَعْرفِيهَا ؟آهٍ لَوْ تَدْرِينَ مَا مَعْنَى ثَوَائِي فِي سَرِيرٍ مِنْ دَمِمَيِّتَ السَّاقَيْنِ مَحْمُومَ ٱلْجَبِينِتَأْكُلُ ٱلظَّلْمَاءَ عَيْنَايَ وَ يَحْسُوهَا فَمِيتَائِهاً فِي وَاحَةٍ مِن سِنِينوَ أَنِينمُسْتَطَارَ ٱللُّبِّ بَيْنَ ٱلْأَنْجُمِ .
❋ ❋ ❋ ❋
فِي غَدٍ تَمْضِينَ صَفْرَاءَ ٱلْيَدِ لَا هَوَى أَوْ مَغْنَمٌ ، نَحْوَ ٱلْعِرَاقِتَحُسِّينَ بِأَسْلَاكِ ٱلْفِرَاقِ شَائِكَاتٍ حَوْلَ سَهْلٍ أَجْرَدَمَدَاهَا ذَاكَ ٱلْمَدَى ، ذَاكَ ٱلْخَلِيجوَ ٱلصَّحَارَى وَ ٱلرَّوَابِي وَ ٱلْحُدُودُأَيُّ رِيشٍ مِنْ دُمُوعٍ أَوْ نَشِيجٍ سَوْفَ نَرُودُبِهَا أُفُقَ ٱلدُّجَى أَوْ قُبَّةَ ٱلصُّبْحِ ٱلْبَهِيجِلِلتَّلَاقِي ؟كُلُّ مَا يَرْبِطُ فِي مَا بَيْنَنَا مَحْضُ حَنِينٍ وَ ٱشْتِيَّاقِرُبَّمَا خَالَطَهُمْ بَعْضُ ٱلنِّفَاقِ !آهٍ لَوْ كُنْتِ ، كَمَا كُنْتُ ، صَرِيحَهلَنَفَضْنَا مِنْ قَرَارِ ٱلْقَلْبِ مَا يَحْشِي جُرُوحَهرُبَّمَا أَبْصَرْت بَعْضَ ٱلْحِقْدِ ، بَعْضَ ٱلسَّأَمِخِصْلَةً مِنْ شَعْرِ أُخْرَى أَوْ بَقَايَا نَغَمِزَرَعَتْهَا فِي حَيَاتِي شَاعِرَهلَسْتُ أَهْوَاهَا كَمَا أَهْوَاكِ يَا أَغْلَى دَمِ سَاقَى دَمِي .إِنَّهَا ذِكْرَى وَ لَكِنَّكِ غَيْرَى ثَائِرَهمِنْ حَيَاةٍ عِشْتُهَا قَبْلَ لِقَانَا وَ هَوى قَبْلَ هَوَانَا .إٔوْصِدِي ٱلْبَابَ . غَداً تَطْوِيكِ عَنِّي طَائِرَةغَيْرَحُبٍّ سَوْفَ يَبْقٕى فِي دِمَانَا .📖دِيوان بدر شاكر السياب ، الجزء الأول ، دار العودة ، بيروت ، 1986 ، ص. 649 ، وَ ما بعدها ( بِتصرف ) .
📋خطوات الإنجاز : توضيحات وَ أمثلة
✓ وضع النص في سياقه التاريخي و الفني .
✓ صياغة فرضية مناسبة لقراءة النص انطلاقا من ملاحظة العتبات النصية و استعانة ببعض المؤشرات من داخل النص .
✓ تكثيف معاني النص بعد قراءة فاحصة و متأنية
✓ تحديد الحقول المعجمية المهيمنة في النص و إبراز العلاقة القائمة بينها
✓ رصد الخصائص الفنية المميزة النص على مستويات الإيقاع و الصورة الشعرية و الأسلوب
✓ صياغة خلاصة تركيبية لنتائج التحليل ، و إبداء الرأي الشخصي في مضامين النص و شكله .
📑 خطوة المقدمة :
🌻🌼توضيحات حول بناء المقدمة
✓ المقدمة يتطلب بناؤها التدرج من العام نحو الخاص وصولا إلى الأخص . يتجسد العام في الاستهلال باستحضار الظروف التاريخية التي ولدت فيها الخطاب الشعري الذي تنتمي إليه القصيدة ، موضوع التحليل ، و رصد ما يتميز به هذا الخطاب من خصائص فنية و مضمونية . في حين ينحصر الخاص في الاستشهاد بأسماء بعض أعلام الخطاب الشعري الذي تنتمي إليه القصيدة مع تقديم نبذة موجزة عن الشاعر صاحب النص في مجال الشعر . ثم الأخص الذي يتجلى في طرح ثلاثة أسئلة تذيل المقدمة : السؤال الأول يرتبط بمضامين النص الشعري ، و السؤال الثاني يتعلق بالخصائص الفنية القصيدة ، و يبقى السؤال الثالث خاصا بمدى تمثيل القصيدة للخطاب الشعري الذي تنتمي إليه .
📂مثال مقدمة
سلب الأراضي العربية بِفلسطِين وَٱحْتِلَالِهَا سنة 1948 ، و استعمار الأقطار العربية ، تارة باسم الانتداب ، و تارة أخرى بذريعة الحماية ، و غيرها من العوامل الاجتماعية و الثقافية ، دفعت المثقف العربي إلى إعادة النظر في الوجود العربي التقليدي ، من حيث القيم و المثل العقيمة ، و الثورة عليه . و قد غدى هذه الثورة انفتاحه على الثقافات الإنسانية رغبة منه في التخلص من إيسار الثقافة المحلية . و الواقع هذا سعى الشاعر العربي إلى تجاوز القصيدة التقليدية التي لم تعد متسعة لتطلعاته الثقافية و لا ملائمة لرؤاه الفنية بنظامها التقليدي المتجسد في بنية البيت ، فأبدع شكلا جديدا يناسب تجربته الفنية ، و قد تأسس هذا الشكل الجديد على نظام السطر القائم على التفعيلة . إن تجاوز نظام القصيدة التقليدي في نظم الشعر و التأسيس لنظام جديد ، جعل القول الشعري المترتب عن هذين الفعلين ( التجاوز و التأسيس ) ينعت بخطاب تكسير البنية ، لما أحدثه من تفتيت في بنية البيت المغلقة ، و عوضها ببنية السطر المفتوحة التي تستجيب لتجربته الشعرية ، و تلائم مضامين القول الشعري الحديث . و قد كسر كُثْرٌ من الشعراء قيود النظام الشعري التقليدي و نظموا قصائدهم على نظام التفعيلة ، نذكر منهم ، على سبيل المثال لا الحصر ، الشاعرة العراقية نازك الملائكة (2007/1923( ، و الشاعر الفلسطينية فدوى طوقان ( 2003/1917) ، و الشاعر المصري صلاح عبد الصبور ( 1981/1931) ، و الشاعر المغربي عبد الله راجع ( 1948/1990) ، و الشاعر العراقي بدر شاكر السياب الذي شارك نازك الملائكة في ريادة نظم الشعر على نظام التفعيلة في خمسينات القرن العشرين ، إذ نظمت نازك قصيدة بعنوان الكوليرا ، و نظم بدر قصيدة اختار لها عنوان هل كان حيّا ؟ ، و قد نشرت بديوانه الموسوم بأزهار ذابلة . عمل مدرسا و مارس فعل الترجمة مما جعل الطريق مفتوحا أمامه للتفاعل مع أمهات القصائد في الشعر العالمي ، و أبرزها قصيدة الأرض الخراب التي كان لها تأثير في القول الشعري عند السياب ، كما يظهر ذلك بوضوح في قصيدته أنشودة المطر . اقتطفت القصيدة موضوع درسنا من الجزء الأول من أعماله الكاملة . ما المضامين الشعرية التي تحمل بين سطورها ؟ و ما المميزات الفنية التي تطبعها على مستويات الإيقاعية و التصويرية و الأسلوبية ؟
📑بناء فرضية القراءة
🌼🌻توضيحات تخص بناء فرضية القراءة :
هي بوصلة القراءة و التوقع الذي يجعل القراءة منهجية و بعيدة عن الفوضى التي تجعل القارئ يضيع بعيدا عن النص ، و يعود بلا معنى . و يتوقف بناؤها على الملاحظة الفاحصة لعتبات النص ( عنوان / عناوين ، مصدر النص ، صاحب النص ، شكل النص ... ) و كذا الاستعانة ببعض المؤشرات داخل النص ( كلمات أو مقاطع تتكرر ، اسم علم ، أسلوب إنشائي..) .
📂مثال فرضية مناسبة لقراءة نص ليلة وداع
الجزء الأول من العنوان " ليلة وداع " {لَيْلَةُ} يشير إلى وقت غياب الشمس وحلول الظلام ، و قد أتى ، تركيبيا ، مُضَافاً إلى { وَدَاعٍ } الذي يدل على الفراق الذي لا يعرفه لقاء، و الإضافة تفيد التخصيص ، مما يعني أن دلالة ليلة منزاحة عن دلالتها العامة و بعيدة عنها . إن الأمر يخص وداع الشاعر لزوجته ، كما تشير إلى ذلك العبارة الموجودة بين قوسين تحت العنوان و فوق النص ، و قد كتبت بلون أخضر ( إلى زوجتي الوفية ) . و كل هذا يدفع إلى افتراض أن الشاعر يقطع كل ما يجمعه بزوجته من علائق في ظرف خاص ، و هو الافتراض الذي تعززه العبارة التي تُستهلُّ بِهَا القصيدة ( أَوْصِدِي ٱلْبَابَ ) ، وداع يُجْهِزُ على كل العلائق و لم يبق منها سوى وشيجة الحب الجاري في دم القرابة ، كما توحي بذلك العبارة التي تذيل القصيدة . كما أن الشكل الطباعي القصيدة ، و تفاوت أسطرها الشعرية من حيث الطول يوحي أن الشاعر السياب قد اختار لنسقه الشعوري نظام التفعيلة كي ينساب حرا دون قيود يفرضها نظام البيت على تجربته الفنية .
📑خطوة العرض
تنقسم إلى عمليتين : عملية أولى هي القراءة من أجل فهم النص و عملية التحليل من أجل إبراز خصائصه الفنية .
🌷عملية القراءة من أجل الفهم :
🌼🌻توضيح و شرح :
تتطلب هذه العملية قراءة النص قراءة فاحصة و متأنية وَ تقسيمه إلى مقاطع شعرية دالة من أجل فهم مضامينه و القدرة على تكثيفها في فقرة موجزة .
📂مثال تكثيف مضامين النص
يطلب الشاعر من زوجته ، في المقطع الأول من القصيدة ، أن تغلق الباب لتنغلق عيناه و تكف عن النظر إلى دنيا تغيب فيها رفيقة الحياة ، فيعبر عن حسرته لهذا الفراق ، ثم يشرع في البوح بما يعانيه من الأوجاع المضاعفة جسديا و نفسيا و هو بسرير المرض . في حين يخصص المقطع الثاني من النص لرسم لوحة حزينة تصور حالة الزوجة و هي عائدة من الكويت ، حيث يخضع للعناية الطبية ، و متجهة نحو العراق ، تحمل بين ضلوعها الحنين و الاشتياق . و بنبرة العتاب يؤاخذ الشاعر السياب زوجته ، في المقطع الثالث ، و يلومها عن غيرتها التي امتدت إلى ما كان له ، قبل زواجهما ، من علاقة بشاعرة أصبحت مجرد ذكرى ، إذ يؤكد لرفيقة حياته أنها هي الحب الجاري مجرى دمه ، و الذي سيبقى الرابطة الوثقى بينهما بعد الوداع .
🌹عملية التحليل من أجل إبراز الخصائص الفنية :
🌼🌻🌼🌻توضيحات و شروحات : يتم الوقوف في هذه العملية على أربعة مكونات النص الشعري بالتحليل ، و بالمقارنة و الاستنتاج . و تتحدد هذه المكونات في ما يأتي :
🌼🌻توضيح و شرح بخصوص المكون المعجمي :
يرتكز على رصد الحقول الدلالية المهيمنة في النص و التمثيل لكل حقل بما يناسب من ألفاظ و عبارات تستخرج من النص ، و بعد ذلك يتم استنتاج طبيعة العلاقة القائمة بين هذه الحقول في النص .
📂مثال فقرة منسجمة لتحليل المكون المعجمي بنص لَيْلَة وَدَاعٍ يتجاذب النص الشعري لَيْلَة وَدَاعٍ حقلان دلاليان ؛ الحقل الأول دال على المعاناة من أوجاع المرض ، نمثل له من قصيدتنا بما يأتي : أَيُّ حَسْرَةٍ ، ثَوَائِي فِي سَرِيرٍ مِنْ دَمِ ،مَيِّتَ ٱلسَّاقَيْنِ ، مَحْمُوم ٱلْجَبِينِ ، تَأْكُلُ ٱلظَّلْمَاءَ عَيْنَايَ ، مُسْتَطَارَ ٱللُّبِّ ، تَائِهاً ، أَنِين ، جُرُوحه ... وَ الحقل الثاني دال على الحب و الوداع ، وَ من الألفاظ و العبارات الدالة عليه نذكر ما يأتي : أَوْصِدِي ٱلْبَابَ ، سَوْفَ تَمْضِينَ وَ أَبْقَى .. فِي غَد تَمْضِين ، أَسْلَاك ٱلْفِرَاق ، حنِين ، ٱشْتِياق ، الْقَلْب ، أَهْوَاك . إِنَّ مَا يَجْمَع بين هذين الحقلين بالنص يتجسد في علاقة تكامل ، ذلك أن الشاعر يوجه رسالة وداع عبر قصيدته إلى زوجته الوفية و هو بفراش المرض بالمستشفى بغية التعبير لها عن مدى عمق و قوة رابطة الحب بينهما رغم فراقهما الاضطراري بسبب المرض .
🌼🌻🌼🌻شرح و توضيح بخصوص المكون الإيقاعي :
📄1) الإيقاع الخارجي :
🌼🌻شرح و توضيح : يتجه التحليل في الإيقاع الخارجي إلى الكشف عن الوزن / البحر الذي نظم عليه الشاعر نصه مع تحديد القافية و طبيعتها ثم رصد روي / أرواء النص و طبيعتها .
📂مثال رصد مكونات الإيقاع الخارجي في ليلة وداع
نظم الشاعر بدر شاكر السياب قصيدته على بحر الرمل ، كما يتضح من خلال التقطيع العروضي للسطر الأول من المقطع الأول ، و كذا السطر الأول من المقطع الثاني ، على النحو الآتي :
✓ التقطيع العروضي للسطر الأول من القصيدة و تحديد وزنه
أَوْصِدِي ٱلْبَابَ ، فَدُنْيَا لَسْتِ فِيهَا
التقطيع العروضي
أَوْصِدِلْبَا
بَ فَدُنْيَا
لَسْتِ فِيهَا
الرموز العروضية
/ه//ه/ه
///ه /ه
/ه//ه/ه
التفاعيل
فَاعِلَاتُنْ
فَعِلَاتُنْ
فَاعِلَاتُنْ
✓ التقطيع العروضي للسطر الأول من المقطع الثاني و تحديد وزنه:
فِي غَدٍ تَمْضِينَ صَفْرَاءَ ٱلْيَدِ لَا هَوَى أَوْ مَغْنَمٌ ، نَحْوَ ٱلْعِرَاقِ
|
التقطيع العروضي |
فِي غَدٍ تَمْ |
ضِينَ صَفْرَا |
أَلْيَدِي |
لَا هَوَنْ أَوْ |
مَغْنَمُنْ نَحْ |
وَ لْعِرَاقِي |
|
الرموز العروضية |
/ه//ه/ه |
/ه//ه/ه |
/ه//ه |
/ه//ه |
/ه//ه/ه |
/ه//ه/ه |
|
التفاعيل |
فَاعِلَاتُنْ |
فَاعِلَاتُنْ |
فَاعِلُنْ |
فَاعِلُنْ |
فَاعِلَاتُنْ |
فَاعِلَاتُنْ |
وَ في السطر الأول من المقطع الأول تَتَحَدَّدُ القافية كالآتي : { فِيهَا } = { /ه/ه } ، و ٱلرَّوِيُّ هُو الهاء موصولة بألف ، بينما في السطر الثاني وردت كما يأتي : { رَاقِي } = { /ه/ه } ، و الروي في هذا السطر هو حرف الراء متحرك بكسرة . و بقراءة عروضية فاحصة نستنتج أن القافية و الروي طبعهما التنوع بقصيدة لَيْلَة وَدَاعٍ ، بخلاف الوزن الواحد { بحر الرمل } الذي نُظِمَت عليه القصيدة . و هذا التنوع راجع إلى اختيار الشاعر نظام التفعيلة كشكل فني مناسب لنسقه الشعوري ، حيث يتميز طول الأسطر الشعرية بالتفاوت داخل النص ؛ ففي الوقت الذي لا يتجاوز فيه امتداد السطر الأول ، على سبيل المثال ، ثلاث تفاعيل ( فَاعِلَاتُنْ | فَعِلَاتُنْ | فَاعِلَاتُنْ ) نَجِدُ أَنَّ السَّطْرَ الأول من المقطع الثاني قد ٱتّسَع لِسِتِّ تفاعيل ( فَاعِلَاتُنْ | فَاعِلَاتُنْ | فَاعِلُنْ | فَاعِلَاتُنْ | فَاعِلاتُنْ | فَاعِلَاتُنْ ) ، بينما ٱنحصر السطر ما قبل الأخير في تفعيلة واحدة { وَأَنِينِي} = { ///ه/ه } = { فَعِلَاتُنْ } . وَ نُمَيِّزُ فِي النص ، من حيث القافية ، بين القافية المُرَكَّبَة في المقطع الشعري الأول ، حيث يختفي الرويُّ { هَا } في السطرين الثاني و الثالث ، و لا يجدد ظهوره إلا في السطر الرابع من القصيدة ، وَ بين القافية ٱلْمُتَتَابِعَةِ ، على شاكلة نهايات الأسطر الشعرية الآتية : السابع ، الثامن ، و التاسع من المقطع الثاني ، إذ يتوالى وُرُودُ حرف القاف المتحرك بالكسرة بوصفه رَوِّياً في نهايات هذه الأسطر . و بالنسبة لعلاقة الوقفة العروضية بالوقفة الدلالية تُسجَّلُ هَيمنةُ التضمين بوصفه عدمَ تَطابُقٍ بين الوقفتين . و دلالة هذه الهيمنة تتجلى في تدفق معاني القصيدة بمنأى عن القيود التي يفرضها الروي و القافية و الوزن ، إذ تنساب معاني لَيلَة وَدَاعٍ في التعبير عن الموفق الانفعالي صوب الذات الموجوعة و المترنحة على سرير المرض ، و كذا تجاه الزوجة الغيرة الثائرة بدون تقيد بالشكل الخارجي . في حين لا يتحقق الاتِّسَاقُ بٱعتباره تطابُقاً بين الوقفتين ( العروضية و الدلالية ) إلا في السطرين الثامن و التاسع بالمقطع الشعري الثاني من القصيدة . و يؤشر هذا التطابق على دُنُوِّ الشاعر من نهاية مسار معاني الحب و اللقاء ، المعاني التي سيتحول منها الشاعر في ما تبقى من ليلة وداع موجها وجعه نحو معاني الحنين و الاشتياق المشوب بالنفاق بسبب غيرة الزوجة المفرطة . و ما يمكن استنتاجه من كل ما يتعلق بالإيقاع الخارجي لِلَيْلَةِ وَدَاعٍ هو أن الشاعر سَخَّر الشكل الهندسي للقصيدة لخدمة معاني القصيدة المتجسدة في التعبير عن موقفه الانفعالي صوب المرض و الحب و وداع الزوجة .
📄2)الإيقاع الداخلي في قصيدة ليلة وداع
🌼🌻شرح و توضيح :
ينصب التحليل على التكرار ( بداية من أصغر عنصر {الصائت / الصامت } مرورا بالكلمة { الحرف و الاسم } وصولا إلى الجملة و الصيغ الصرفية و الأنساق العروضية { تكرار تفعيلة البحر } ، و الكشف عن بعض المحسنات البديعية ، نحو : الجناس و الطباق و الاشتقاق .
📂مثال فقرة منسجمة حول مظاهر الإيقاع الداخلي و وظائفها
من مظاهر الإيقاع الداخلي في قصيدة ليلة وداع نجد التكرار المتمثل في تكرار بعض الصوامت ( الحروف ) ، نحو : الهاء ، القاف . و بعض الصوائت ، مثل : الكسرة . و تتكرر في القصيدة أيضا بعض الكلمات ، منها : هَوَى ، مَدَى ، غَداً ، قَبْل . فضلا عن الجمل ، نحو : أَوْصِدِي ٱلْبَابَ ، كما تكررت تفعيلة بحر الرمل { فَاعِلَاتُنْ } من بداية القصيدة إلى نهايتها . و يحفل النص الشعري بالمحسنات اللفظية منها : الاشتقاق : { أَهْوَاكِ ، هَوَانَا } .. و الجناس ، مثل : { العراق ، الفراق }. و بهذا ساهم الإيقاع الداخلي في ترسيخ معاني الألم و الفراق ، كما خلق تجانسا صوتيا بين أسطر القصيدة .
📄3) مكون الصورة الشعرية
🌼🌻شرح و توضيح :
يتم التركيز رصد التشبيهات و الاستعارات و المجازات و الكنايات ، و إبراز وظائفها الفنية و الإقناعية بالنص .
📂مثال فقرة منسجمة حول الصورة الشعرية في ليلة الوداع
يتوزع الموقف الشعوري الانفعالي للشاعر بدر شاكر السياب في ليلة وداع بين عالمين اثنتين : عالم معاناة ألم المرض ، و عالم الوداع و الحب . و قد ساهمت الصورة الشعرية في تصوير هذين العالمين المصطبغين بالموقف الشعوري المزدوج للشاعر ، و نمثل لموقفه من الألم باستناده إلى الاستعارة في قوله الشعري{ تَأْكُلُ ٱلظَّلْمَاءَ عَيْنَايَ وَ يَحْسُوهَا فَمِي }، لقد شبه الشاعر في السطر الشعري التاسع الظلماء المترتبة عن أوجاع المرض و آلامه بالمأكل و المشرب دون أن يذكر المستعار منه ، إذ اكتفى بما يدل عليه من قرائن لفظية مثل :{ تَأْكُلُ ، يَحْسُو} .لقد استخدم الاستعارة المكنية إذن من أن يعبر عما يعانيه من أوجاع مضاعفة جراء المرض و وداع الحبيبة / الزوجة . ولذا فالصورة الشعرية تنهض في المثال / السطر التاسع بتصوير عالم الألم الذي يعيش داخله الشاعر . كما نجد السياب في مقطع شعري آخر يلجأ إلى الكناية إيحاء منه و إشارة إلى الشعور بالخيبة جراء وداع رفيقة الحياة ، نحو ما ورد في السطر الذي استهل به المقطع الثاني {فِي غَدٍ تَمْضِينَ صَفْرَاءَ ٱلْيَدِ...}. فاستخدام عبارة{ صَفْرَاءَ ٱلْيَدِ}لا يعني بها المعنى المرجعي الحرفي ، و إنما استند إليها ليقصد معنى المعنى المتجسد في رسم لوحة الوداع بلون مأساوي خريفي . وعليه فقد قامت الصورة الشعرية في قصيدة ليلة وداع بتصوير عالمين اثنين وفق الانفعال الشعوري للشاعر : عالم معاناة ألم المرض ، و عالم معاناة وداع الزوجة .
📄4) المكون الأسلوبي
🌼🌻شرح و توضيح :
يتوجه التحليل في هذا المكون إلى لغة النص نحويا و بلاغيا دون أغفال أزمنة الأفعال و الضمائر ، و استنتاج الدلالات و الأبعاد لكل جانب من جوانب اللغة في القصيدة .
📂مثال فقرة منسجمة حولة لغة النص و أسلوبه :
تتقاسم النصَّ ، نحويا ، جُملٌ فعلية نمثل لها بما يأتي : أَوْصِدِي ٱلْبَابَ ، سَوْفَ تَمْضِين وَ أَبْقَى ، أَتَمَنَّى لَكِ أَلَّا تَعْرفِيهَا ، لَوْ تَدْرِينَ.. وَ كَذَا جمل ٱسمية ، نحو : دُنْياَ لَسْتِ فِيهَا ، أَيُّ رِيشٍ مِنْ دُمُوعٍ ، كُلُّ مَا يَرْبِطُ . وَ نستنتج أن الغلبة في النص كانت للجمل الفعلية بزمن المضارع ، و في هذه الهيمنة دلالة على الحركية التي تعرفها دواخل الشاعر بسبب الآلام المضاعفة ، من جهة آلام المرض ، و من جهة أخرى آلام المرض ، غير أنه بقي حبل الحب وطيدا بين الشاعر و زوجته ، فهو العزاء الوحيد للشاعر بعد الوداع . كما في النص الشعري للسياب حضور ضميرين اثنين بشكل بارز ، أولهما : ضمير المتكلم المفرد { أنا } ، نحو : عَيْني ، ثَوَائِي ، كُنْتُ .. و ثانيها : ضمير المخاطب المفرد المؤنث { أنتِ } ، كما في قول الشاعر : تَدْرِينَ ، تَمْضينَ ، تَحُسِّينَ ، أَهْوَاكِ ، تَطْويك ، لَكِنَّكِ . و يدل هذا على الحوار الذي أقامه الشاعر مع رفيقة الحياة عبر ذواتهما معا و تلوينه بموقفه الشعوري المأساوي . كما هيمنت ، بلاغيا ، الجمل الخبرية على الجمل الإنشائية ، حيث لم ترد في النص سوى ثلاث جمل إنشائية هي : { أَوْصِدِي ٱلْبابَ ، أَيُّ حَسْرَةٍ ، لَوْ كُنْت . و تعود غلبة الجمل الخبرية في القصيدة إلى استناد الشاعر إليها في البوح بما يعانيه من أوجاع المرض و الحب و الوداع في قالب قصيدة / رسالة .
📑خطوة الخاتمة :
تتضمن هذه الخطوة التركيب و التقويم
🌷1) التركيب
🌼🌻شرح و توضيح حول التركيب :
يتم اعتماد مهارة التلخيص لما سبق في العرض ،ثم اختيار فرضية القراءة و الكشف عن مدى تمثيل القصيدة للخطاب الشعري الذي تنتمي إليه .
📂مثال فقرة منسجمة تركب نتائج التحليل :
قصيدة ليلة وداع نظمها الشاعر بدر شاكر السياب وفق نظام التفعيلة ، و قد باح فيها بما لاقاه من معاناة و آلام جراء المرض و فراق الزوجة . و قد جعل البوح وعاء فنيا مناسبا ، إذ استند إلى معجم زاوج بين حقلي المعاناة و الحب ، و ساهم تنوع الأرواء و القوافي في الاتساع إلى الموقف الشعوري للشاعر من حيث الإيقاع و من حيث الصورة الشعرية و اللغة . حيث كان لهذه الأخيرة الدور الفعال في احتواء تجربة الشاعر المأساوية فنيا و نفسيا . و بهذا يصح الافتراض المنطلق في قراءة النص أعلاه . إن من بين السمات الفنية التي تدل على نجاح الشاعر بدر شاكر السياب في استحضار الخصائص الفنية لخطاب تكسير البنية نجد الشكل الجديد الذي اختاره لتجربته الفنية ، حيث ٱختار نظام التفعيلة ، و عن هذه السمة الرئيسية تفرعت سمات أخرى منها : تنوع الأرواء و القوافي و تفاوت امتداد الأسطر الشعرية استجابة لامتداد الموقف الشعوري ، و بهذا جعل الشاعر الإيقاع يخدم المعاني و ليس العكس ،كما في القصيدة التقليدية .
🌹2) التقويم
🌼🌻شرح و توضيح حول التقويم :
يستند تقويم النص شكلا و مضمونا إلى مهارات الحكم و النقد و التعليق ، و يتطلب نفسا حجاجيا حتى لا يتحول الرأي إلى انطباع ذاتي .
📂مثال تقويم نص ليلة وداع :
ناسب نظام التفعيلة و الأسطر المضامين الشعورية التي حملتها القصيدة ، ذلك لأن هذا النظام المفتوح جعل الشاعر يعبر بحرية عن تجربته الفنية و يبدع دون السقوط في تكرار القوالب الفنية التي تلتفت إلى الماضي أكثر مما ترتبط بالحاضر و تتطلع إلى المستقبل . و المضمون الجديد يتطلب شكلا جديدا كما عبر عن ذلك الشاعر و الناقد أحمد المعداوي ، لكن الشكل ينبغي ألا يوغل في الفرادة فينأى بالشعر عن المتلقي كما يحدث مع بعض الشعراء ، و هذه المسافة الجمالية بين النص و المتلقي هي التي برع الشاعر بدر شاكر السياب في قياسها في قصيدة ليلة وداع ، وذلك لغة النص الفصيحة ذات النفس التقليدي غير بعيدة جماليات من ذوق القارئ الحديث ، و لا مثقلة بالزخرفة البديعية .
🌹🌹🌹انتهى 🌸🌸🌷🌷بالتوفيق 🌺و🍃🍃🌹🌷السداد 🌺📚📖📖
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق