🎆🎉النص المسرحي: اَلْكَنْزُ لتوفيق الحكيم
) مَشْهَدٌ يُمَثِّلُ صاحِبَ الْبَيْتِ السيِّد محمود و زوجته و خطيب ابنتهما دُرِّية ، و هو من الأثرياء ، جاء لزيارتهم ، و يجلسُ إلى الخطيبةِ ، بينما هي تَرْفُضُ الارتِباط به (. الخطيب: ( يُشير إِلَى الْفِنْجانِ الرَّابِعِ ) شَايً الآنِسَةِ بَرَد!... الأب: ( مُلْتَفِتاً إِلَى الْأُمِّ ) ماذا جَرى لَها ؟ ذَهَبَتْ تُحْضِرُ مِنْدِيلَهَا وَ لَمْ تَعُدْ؟!... الأم : مَشَاغِلُ الْبَيْتِ ... مِسْكِينَة... إِنَّها نَشِيطَةٌ أكْثَرَ مِنَ اللَّازِمِ ... لا تُريدُ أَنْ تَتْرُكَ لِلْخَدَمِ أَبْسَطَ الأمورِ. تُحِبُّ دائِماً أَنْ يَتِمَّ كُلُّ شَيْءٍ بِإِشْرَافِهَا ! لَحْظَة وَاحِدة، سَأَرَى مَاذَا تَصْنَعُ ؟ . ( تَنْهَضُ وَ تَخْرُجُ مِنَ الْقَاعَةِ). الأب : ( لِلْخَطِيبِ ) حَقِيقَةً هَذِهِ الْبِنْتُ نَادِرَةُ الْمِثَالِ . و لَا أَقُول ذَلِكَ لِأَنَّهَا ابْنَتُنَا الْوَحيدَةُ . وَ لَكِنَّ الْحَقَّ يَجِبُ أَنْ يُقَالَ. إِنَّها هِيَ روحُ بَيْتِنا ! الخطيب: وَ أَنَا يَسُرُّنِي أَنٌ آخُذَ رُوحَكُم... وَ سَتَرَوْنَ كَيْفَ أُدْخِلُهَا جَنَّةً مَفْرُوشَةً بِوَرَقِ الْبَنْكَنُوت ... وَ هَذَا طَبْعاً ليْسَ بِكثِيرٍ عَلَى صَاحِبِ ثَرْوَةٍ تُقَدَّرُ الْآنَ، كَمَا تَعْلَمُون، بِسِتِّينَ أَلْفَ جُنَيْه!... الأب: وَ نَحْنُ يَسُرُّنَا أَنْ نُعْطِيكَ فِلْذَةَ كَبِدِنَا. لَا مِنْ أَجْلِ الثَّرْوَةِ، وَ لَكِنْ مِنْ أَجْلِ ذَوْقِكَ وَ لُطْفِكَ وَ خِفَّةِ ظِلِّكَ ! الأم: ( بِالْبَابِ مُنَادِيَةً زَوْجَهَا ) مَحْمود!... الأب : ( لِلْخَطِيبِ وَ هُوَ يَنْهَضُ ) عَنْ إِذْنِكَ!... الأم: ( هَمْساً لِلْأَبِ عَلَى عَتَبَةِ الْبَابِ ) " دُرِّية " فِي حُجْرَتِهَا تَبْكِي، إِنَّهَا تَرْفُضُ هَذاَ الْخَطِيبَ وَ لَا تُرِيدُ أَنْ تَجْلِسَ إِلَيْهِ أَكْثَرَ مِمَّا جَلَسَتْ ! الأب: ( هَمْساً لِلْأُمِّ ) تَرْفُضُ هَذَا الْخَطِيبَ.؟! .. تَرْفُضُ هَذَا الْكَنْزَ ...!؟ ... الأم: إنها تَرْفُضُ هَذَا الْكَنْزَ وَ كَفَى!... الأب: مُغَفَّلَة... وَ مَا الْعَمَلُ الْآنَ ؟ ... الأم : فَلْنَعْتَذِرْ لَهُ السَّاعَةَ عَنْ مَجِيئِهَا ... ثُمَّ نُحَاوِلُ بَعْدَ ذَلِكَ إِقْنَاعَهَا !... الأم : ( تَتَقَدَّمُ إِلَى الْخَطِيبِ وَ تَجْلِسُ ) لَا تُؤَاخِذْنَا ... " دُرّية" شَعَرَتْ بِصُدَاعٍ خَفِيفٍ جَعَلَهَا تَعْتَكِفُ... الخادم: ( يَدْخُلُ مُعْلِناً ) رَجُلٌ بِالْبَابِ يَطْلُبُ مُقَابَلَةَ سَيِّدِي البِكْ فِي أَمْرٍ مُهِمٍّ... ! الأب: مَا اسْمُهُ ؟... الخادم: سَأَلْتُهُ فَقَالَ إِنَّ الْاِسْمَ لَا يُفِيدُ شَيْئاً وَ إِنَّ الْمَوْضُوعَ هُوَ الْمُهِمُّ... الأب: ماذا يَقُولُ؟ ... الأم : يَقُولُ إِنَّهُ يُوجَدُ فِي هَذَا الْمَنْزِلِ كَنْزٌ مَخْبُوءٌ يُقَدَّرُ بِأَمْوَالٍ طَائِلَةٍ… ! الأب : كَنْز !... كَنْز... ! الأم: قَالَ لِي ذَلِكَ هَمٌساً... وَ هُوَ مُسْتَعِدٌّ لِلاِتِّفَاقِ مَعَكَ عَلَى إِخْرَاجِهِ... وَ إِذَا رَفَضْتَ مُقَابَلَتَهُ، فَإِنَّهُ سَيَذْهَبُ إِلَى جِهَات الاِخْتِصَاصِ وَيُبَلِّغُ عَنْ وُجُودِ هَذَا الْكَنْزِ فَوْراً …! الأب : ( يَنْهَضُ عَلَى قَدَمَيْهِ ) أَهَذَا مَعْقُولٌ ؟ ... فِي بَيْتِنَا هَذَا كَنْزٌ ؟…! الأم: لَا تُضَيِّعِ الْوَقْتَ فِي هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ التي لَا طَائِلَ تَحْتَهَا... الرَّجُلُ بِالْبَابِ اسْتَدْعِهِ إِذَا شِئْتَ. وَ اعْرِفْ مِنْهُ مَا تُرِيدُ ... وَ لَا تَدَعْهُ يَنْتَظِرُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ... أَدْخِلْهُ أَوِ اصْرِفْهُ ... الأب: كَيْفَ أَصْرِفْهُ ؟ ... بَلْ يَدْخُلُ ... أدْخِلُوهُ ... لَا ضَرَرَ مِنْ سُؤَالِهِ وَ مُنَاقَشَتِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ... هَذَا مَوٌضُوعٌ مُسَلٍّ وَ طَرِيف ... أَلَيْسَ كَذَلِكَ يَا " أَبَا الْعِزِّ بِكْ " ؟ ... الخطيب : طَبْعاً ... مَنْ ذَا يَرْفُضُ الْفُرْجَةَ عَلَى " شَمْهروش" بِالْمَجَّانِ ؟…! الأم : ( لِلْخَادِمِ ) قُلْ لِلرَّجُلِ يَتَفَضَّل !... الخطيب: نَصِيحَةٌ لِوَجْهِ الله يَا " مَحْمودُ بِكْ " ... اِحْذَرْ أَنْ تُعْطِيَ هَذَا السَّاحِرَ مِلِّيماً قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَ كَنْزَهُ الْمَوْهُومَ ... فَقَدْ كَثُرَتْ فِي هَذِهِ الْأَعْوَامِ حَوَادِثُ النَّصْبِ و الاِحْتِيالِ عَلَى الْوُجَهَاءِ وَ الْأَعْيَانِ!.... الأب: ( يَفْحَصُهُ بِنَظْرَةٍ ) أَنْتَ السَّاحِرُ ؟!... الساحر: هَلْ خَيَّبْتُ ظَنَّكَ يَا سَيِّدِي ؟ ... ماذا كُنْتَ تَتَوَقَّعُ أَنْ تَرَى ؟ ... الأب: مَا عَلَيْنَا... هَذَا مَوْضُوعٌ ثَانَوِيٌّ؛ فَلْنَطْرُقْ مُبَاشَرَةً الْمَوْضُوعَ الْأَهَمَّ... هَلْ أنتَ وَاثِقٌ مِنْ وُجُودِ كَنْزٍ فِي هَذا الْبَيْتِ ؟ ... الساحر : ثِقَتِي مِنْ وُجُودِك الْآن أَمَامِي!... الخطيب: هَلْ تَسْمَحُ لِي أَنْ أَسْأَلَكَ كَيْفَ عَرَفْتَ ذَلِكَ ؟ ... الساحر : رَأَيْتُ!... الخطيب: إِذَا كَانَتْ عَيْنُ حَضْرَتِكْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَرَى الْمَالَ الْمَخْبُوءَ فِي الْحِيطَانِ؛ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَرَى الْمَالَ الْمَخْبُوءَ فِي جَيْبِي ؟ ... الساحر: عَيْنِي لَا تَرَى نُقُوداً وَ لَكِنَّهَا تَرَى كُنُوزاً ! الأب: إِذَنْ مَا الْكَنْزُ الَّذي فِي بَيْتِي ؟ ... الساحر: جَوَاهِرُ كَرِيمَةٌ!... الأب: اَلْمَاءُ يُكَذِّبُ الْغَطَّاسُ كَمَا يَقُولُ الْمَثَلُ السَّائِرُ، وَ الْحِيطَانُ تُكَذِّبُ السَّاحِرَ، وَ هَا هِي ذِي الْحِيطَانُ مَوْجُودَةٌ وَ السَّاحِرُ مَوْجُودٌ! الساحر: أَنَا قَابِلٌ لِلتَّحَدِي، وَ لَكِنْ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ... لِي عِنْدَكُمْ طَلَبٌ بَسِيطٌ!... الأب : تَكَلَّم!... الساحر: هُوَ أَنْ تَكُفُّوا عَنِ اعْتِبَارِي سَاحِراً، فَأَنَا مَعَ الْأَسَفِ لَا أَفْقَهُ شَيْئاً فِي السِّحْرِ!... الأب: وَ مَاذَا تَفْقَهُ إِذَنْ ؟ ... الساحر: اِسْمَحْ لِي أَنْ أُقَدِّمَ نَفْسِي حَتَّى يَكُونَ كُلُّ شَيءٍ وَاضِحاً... أَنَا اسْمِي " مُراد عَبْدُ الله " مُهَنْدِسٌ أَخِصَّائِي فِي مَصْلَحَةِ الْمَنَاجِمِ مِنْ جَامِعَةِ " كمبردج " . الأب : ( بِاحْتِرامٍ ) حَصَلَ لَنَا الشَّرَفُ!... الخطيب : اِسْأَلْ حَضْرَةَ الْمُهَنْدِسِ الأَخِصَّائِيِّ أَنْ يَشْرَحَ لَكَ الطَّرِيقَةَ الَّتي رَأَتْ بِهَا عَيْنُهُ الْكَنْزَ دَاخِلَ الْحَائِط ؟! ... لَوْ كَانَ سَاحِراً كُنَّا عَلَى الْأَقَلِّ صَدَّقْنَا... وَ لَكِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهُ لَا يَعْرِفُ السِّحْرَ... فَمَا الطَّرِيقَةُ إِذَنْ ؟ ... فَهِّمُونَا يا ناس!... مراد : اَلْعِلْمُ يَا سَيِّدِي الْبِكْ ... اَلْعِلْمُ هُوَ سِحْرُ الْعَصْرِ الْحَدِيثِ!... الأب: ( للخطيب ) نَعَمْ ، اَلْعِلْمُ!... الخطيب: اِشْرَحْ لَنَا هَذَا الْعِلْمَ مِنْ فَضْلِكَ وَ أَقْنِعْنَا كَيْفَ تَرَى كَنْزاً مِنْ خَلْفِ الْجُدْرَانِ ؟!... مراد: هُنَالِكَ نَوْعٌ مِنَ الْأَشِعَّةِ الْكَشَّافَةِ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُشِعَّهَا بَعْضُ الْأَجْسَامِ النَّادِرَةِ... وَ هَذِهِ الظَّاهِرَةُ الْعَجِيبَةُ شَاءَ الْحَظُّ أَنْ تُوجَد عِنْدِي، فَأَنَا أُحِسُّ وُجُودَ الْجَوَاهِرِ وَ الْمَعَادِنِ فِي الْمَبَانِي أوِ الْأراضي بِمُجَرَّدِ الدُّنُوِّ مِنْهَا ، وَ لَقَدْ مَرَرْتُ أَمَامَ هَذا الْبَيْتِ الْقَدِيمِ فَشَعَرْتُ فِي الْحَالِ بِهَزَّةٍ خَاصَّةٍ في نَفْسِي ، أَدْرَكْتُ مَعَهَا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَنْزِلِ كَنْزٌ ؛ وَ لَمَّا كُنْتُ أَعْرِفُ هَزَّتِي أَمَامَ الْمَعَادِنِ ، فَهَذِهِ الْهَزَّةُ قَطْعاً تَدُلُّ عَلَى وُجُودِ جَوْهَرٍ أَرْقَى مِنَ الْمَعْدِنِ وَ أَنْفَسَ ! ... هَل اقْتَنَعْتَ الآنَ ؟ ... الخطيب: لَا أَقْتَنِعُ إِلا إِذا فَسَّرْتَ لِي... الأب : أَنَا اقْتَنَعْتُ ... نَحْنُ تَحْتَ تَصَرُّفِكَ يَا مُراد بِكْ ... بِمَاذَا تَأْمُرُ ؟ مراد : اَلْبَحْثُ عَنِ الشَّخْصِ الَّذِي يُفْتَحُ عَلَيْهِ الْكَنْزُ!... الخطيب : ما شاءَ اللهُ ! . أَهَذا أَيْضاً مِنَ الْعِلْمِ ، يَا حَضْرَةَ الْأَخِصَّائِي فِي مَصْلَحَةِ التَّنْجِيمِ ... أَقٌصِدُ الْمَنَاجِمِ ! مراد : اِسْمَحُوا لِي بِفَحْصِ الْمَوْجُدِينَ فِي هَذَا الْمَنْزِلِ أَوَّلاً ... رُبَّمَا وَجَدْنَا مِنْ بَيْنِهِم مَنْ يَصْلُحُ!... الأب: ( للأمِّ ) مِنْ فَضْلِكِ نَادِي عَلَى الْمَوْجُودِينَ كُلِّهِمْ هُنَا!... الأم: لَا يُوجَدُ الآنَ غَيْرُ الْخَادِمِ هُنَا... الأب : فَلْيَحْضُرِ الْمَوْجُودُ ... انتظري ... أنَسَيْتِ " دُرِّية " ؟ ... الأم: دُرِّية ! ... إِنَّهَا... الأب : اِسْأَلِيهَا أَنْ تَحٌضُرَ ثَانِيَةً وَاحِدَةً ... ( الأم تخرج بسرعة ) الخطيب: ( بِسُخْرِيَّةٍ ) اِبْدَأْ بِفَحْصِي يَا حَضْرَةَ الْأَخِصَّائِي ... مَنْ يَدْرِي ... رُبَّمَا بِقُدْرَةِ قَادِرٍ يَنْفَتِحُ عَلَيَّ الْكَنْزُ ؟ مراد: ( بِكُلِّ جِدٍّ ) تَفَضَّلْ. تَقَدَّمْ . أَرِنِي حَدْقَتَيْ عَيْنَيْكَ قَلِيلاً ( يُحَدِّقُ فِيهَا ) لا يا سَيِّدِي مُسْتَحِيل . حَضْرَتُكَ يَنْفَتِحُ عَلَيْكَ مَنْجَمُ نِفْطٍ ! الخطيب : ( بِغَضَبٍ ) زِفْت؟ مراد: نِفْط ... نِفْط ... النِّفْطُ غَيْرُ الزِّفْتِ! ... ( الأمُّ تَخْرُجُ وَ خَلْفَهَا " دُرِّية " وَ الْخَادِمُ ) الأم: ( لِمُرَاد) " دُرِّية " بِنْتِي!... مراد : لِي الشَّرَفُ ... تَسْمَحِينَ يَا آنِسَةُ... ( يُحَدِّقُ فِي عَيْنَيْهَا ) الْحَمْدُ لله ... حَظٌّ سَعِيدٌ حَقّاً ... هَا هِيَ ذِي مَنْ تَصْلُحُ أَنْ يُفْتَحَ عَلَيْهَا كَنْزُ الْجَوَاهِرِ... الخطيب: وَ لِمَاذَا يَا حَضْرَةُ الْأَخِصَّائِي لَا يَخْتَارُ الْكَنْزُ إِلّا عُيُونَ الْآنِسَةِ ؟ ... الأب: ( نَافِذُ الصَّبْر ) وَ لِمَاذا تُرِيدُ أَنْ يَعْمَى الْكَنْزُ وَ يُفْتَحَ عَلَى عُيُونِ حَضْرَتِكَ ؟ ... الخطيب: سلامٌ عليكم ... ( يخرج بسرعة ...) الأب: سَلَامٌ وَ رَحْمَةُ الله ! ... اِشْرَعْ فِي إِجْرَاءَاتِكَ يَا " مراد بك"!... مراد: حَضْرَتُهُ ذَهَبَ غَضْبَانَ!... الأب: حَضْرَتُهُ يَذْهَبُ إِلَى دَاهِيَةٍ لَا تُرْجِعُهُ ! ... حَضْرَتُهُ تَحَمَّلْنَا كَثِيراً ثِقْلَ ظِلِّهِ، وَ قِلَّةَ ذَوْقِهِ، وَ سَخَفَ عَقْلِهِ ! ... مَا عَلَيْنَا ... تَفَضَّلْ يَا أُسْتَاذُ .. طَلَباتُكَ؟ ... مراد: لَيْسَ لِي بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ طَلَبٍ إلا أَنْ تَبْقَى الْآنِسَةُ الَّتِي سَيُفْتَحُ عَلَيْهَا الْكَنْز... ( يخرج الجميع و يتركون مراد و درية وحدهما ) مراد: تَفَضَّلِي يَا آنِسَةُ... اسْتَرِيحي فِي هَذَا الْمَقْعَدِ الْكَبِيرِ!... درية: هَلْ أَفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّكَ سَتُوحِي إِلَيَّ إِيحاءً خَفِيّاً... أَوْ أَنَّكَ سَتَنْقُلُ إِلَيَّ إِيمَانَكَ ، فَأَرَى مَا تَرَى ... وَ أَعْتَقِدُ مَا تَعْتَقِدُ ، على النَّحْوِ الَّذي كَانَ يَأْتِيهِ بَعْضُ الْكُهَّانِ فِي غابِرِ الأزْمانِ ؟ ... مراد : لَيْسَتْ لِي هَذِهِ الْقُدْرَةُ . مَا أَنَا إِلّا شَخْصٌ عادي ، وَ لَقَدْ كَذَبْتُ السَّاعَةَ عَلى أَهْلِكِ إِذْ زَعَمْتُ لَهُمْ أنَّهُ يَنْبَعِثُ مِنْ جِسْمِي إشعاعات كَشَّافَةٌ ... درية: كَمَا كَذَبْتَ بِالطَّبْعِ إِذْ زَعَمْتَ لَهُمْ أنَّ عَيْنَيَّ تُصْدِرَانِ إشْعَاعَاتِ حسّاسَةً!... مراد : ( كَالْمُخَاطِبِ نَفْسَه ) أكانَ مِنَ الضَّرُورِيِّ أَنْ أَلْجَأَ إِلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ ؟! . يُؤْلِمُنِي أَنْ تَعْتَقِدِي أنِّي رَجُلٌ دَجَّالٌ ! درية: لَنْ أَعْتَقِدَ ذَلِكَ... الدَّجَالُ رَجُلٌ صَاحِبُ بَرَاعَةٍ وَ لَكِنَّهُ لَيْسَ صَاحِبَ إِيمَانٍ!... مراد: ثِقِي أَنَّ إِيمَانِي لا يَزُولُ أَبَداً!... درية : أَعْرِفُ ذَلِكَ !... مراد : نَعَمْ . إِنِّي مُؤْمِنٌ بِحَقِيقَةِ شُعُورِي الَّذي لَا يُخْطِئُ!... درية: كُلُّ الصُّعُوبَةِ أَنْ تَجِدَ الَّذي يُصَدِّقُ حَقِيقَةَ شُعُورِكَ!... مراد: حَتَّى وَ لَا أَنْتِ ؟ ... درية: و ما قيمَتِي أَنَا وَحْدِي ؟ ... مراد: لا تَقُولِي ذَلِكَ... أَنْتِ كُلُّ شَيْءٍ ... أَنْتِ وَحْدَكِ الَّتي أَحْفَلُ بِحُكْمِهَا ... أَنْتِ وَحْدَكِ الَّتي أطْمَعُ في حُسْنِ ظَنِّهَا ... درية: وَ هَلْ رَأَيْتَنِي مِنْ قَبْلُ ؟ ... مراد : نَعَمْ ... فِي شُرْفَتِكِ مُنْذُ أَسَابِيعَ وَ كُنْتُ أَرَى أَوْ يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنِّي أَرَى رُوحَكِ النَّبِيلَةَ الْمُتَأَمِّلَةَ الْحَالِمَةَ وَ هِيَ تَسْبَحُ فِي سَمَاوَاتِ الْمَعَانِي ، فَتُضْفِي عَلَى وَجْهِكِ جَلَالاً و سُمُوّاً ؛ فَكُنْتُ أَقُولُ فِي نَفْسِي : " هذا الْكَنْزُ الْإِنْسَانِيُّ كَالْجَوْهَرِ الْكَرِيمِ ، لَا يَسْتَمِدُّ رُواءَهُ و ضِيَاءَهُ مِنْ مَنْظَرِهِ الْخَارِجِيِّ وَحْدهُ ، بَلٌ مِنْ خَصَائِصِ رُوحِهِ الدَّخِلِيِّ ؛ فَإِنَّ فِيهَا مَوْطِنَ الْبَرِيقِ و مَبْعَثَ الْإِشْرَاقِ ! " درية: اِسْمَعْ يَا... أَتَسْمَحُ لِي أَنْ أُنَادِيكَ بِاسْمِكَ الْمُجَرَّدِ ؟... مراد : نَعَمْ ... أَرْجُوكِ ... نَادِينِي : يا " مُراد " ... درية: اِسْمَعْ يَا " مُراد " إِنِّي أَخَافُ ذَلِكَ " الْإِيمَانَ " . أَخْشَى - كَما قُلْتُ لَكَ - أَنْ يَخْلُقَ لَكَ شَيْئاً غَيْرَ مَوْجُودٍ هَلْ أَنَا حَقّاً كَمَا صَوَّرْتَ ؟ ... مراد : قُلْتُ إِنَّ إِيمَانِي لَا يُمْكِنُ أَنْ يُخْطِئَ ... إِنَّكِ لَا تَعْرِفِينَ نَفْسَكِ كَمَا أَعْرِفُكِ!... درية: إِنَّكَ لَمْ تَعْرِفْنِي إِلاَّ مُنْذُ دَقَائِقَ!... مراد : الإِيمَانُ لَا يَعْرِفُ الزَّمَنَ إِنَّهُ يَنْبَثِقُ مِنْ أَعْمَاقِ الْقَلْبِ فِي لَحْظَةٍ فَيَكْشِفُ ظُلُمَاتِ الآزلِ وَ الآبادِ !... درية: " مراد " ؟! ... إِنِّي أصَدِّقُكَ!... مراد : هَذَا كُلُّ مَطْمَحِي ! ... الآنَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقِفَ فِي وَجْهِ الدُّنْيا !... درية: يَجِبُ أَنْ تَسْتَعِدَّ لِنَقِفَ أَوَّلاً فِي وَجْهِ أبِي !... (الأَبُ وَ الأُمُّ يَظْهَرَانِ... ) الأب: ( يُجِيلُ بَصَرَهُ فِي الْحِيطَانِ وَ الْأَرْكَانِ وَ الْكَرَاسي و الْمَائِدَةِ ) أيْنَ الْكَنْزُ ؟!... مراد: مَوْجُودٌ ... أَلَا تَرَاهُ ؟... الأب : ( يتلفَّتُ ) لا ... أَيْنَ ؟ ... الأب: وَ هَلْ تَرَاهُ أَنْتَ ؟ ... مراد : طَبْعاً !... الأب: كُلُّكُمْ ؟ ... " درية " ؟ ... هَلْ تَرَيْنَهُ ؟ ... درية: طَبْعاً يا أَبِي... أَرَاهُ بِعَيْنَيْ رَأْسِي، أَمَامِي!... الأب: شَيْءٌ غَرِيبٌ ! سَأَفْقِدُ عَقْلِي. تَرَيْنَهُ بِعَيْنَيْكِ . أَيْنَ ؟ أَيْنَ هُوَ ؟ ( يَلْتَفِتُ إِلَى الْأُمِّ الَّتي تَبْحَثُ هِيَ الْأُخْرَى بِعَيْنَيْهاَ ) وَ أَنْتِ أَيْضاً أَتَرَيْنَهُ ؟ درية: ( تُسْرِعُ صائِحَةً ) أَبِي ... اِسْمَعْ ... يَجِبُ أَنْ نَتَّفِقَ أَوَّلاً عَلَى مَعْنَى " الْكَنْزِ " ! .. ماذا تَقٌصِدُ بِالْكَنْزِ ؟ ... الأب: ماذا أَقْصِدُ بِالْكَنْزِ ؟ ... أَقْصِدُ الْكَنْزَ ... الْجَوَاهِرَ ... جَوَاهِرَ تُسَاوِي مائةَ أَلْفِ جُنَيْهٍ!... مراد: فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ... اتَّفَقْنَا ( يُشِيرُ إلى دُرية ) هَذا هُوَ الْكَنْزُ!... الأب: ماذا تَقُولُ !؟... مراد : هَذِهِ الرُّوحُ الْمُضِيئَةُ فِي هَذا الْهَيْكَلِ جَوْهَرَةٌ نَادِرَةٌ لَا تَزِنُ خَمْسَةً وَ خَمْسِينَ قِيرَاطاً فَقَطْ بَلْ كِيلُوغْرَاماً ! ... فَهِيَ تُسَاوِي فِي الْحَقِيقَةِ أَضْعَافَ الْمائَةِ أَلْفِ جُنَيه!... الأب: ( صَارِخاً فِي نَوْبَةٍ عَصَبِيَّةٍ ) يَا لَكَ مِنْ مُشَعْوِذٍ ! ... يَا لَكَ مِنْ دَجّالٍ ! ... لَقَدْ خَرَّبْتَ بَيْتِي وَ أَضَعْتَ آمَالِي... وَ جَعَلْتَنِي أَطْرُدُ الرَّجُلَ الْمَالي ... ضَيَّعْتَ مِنْ أَيْدِينَا الْأَمْوَالَ .!.. الأم: ( تَصُبُّ لَهُ فِي الْحَالِ فِنْجَانَ شَايٍ ) اِشْرَبْ هَذَا يَا " محمود " ! . هَدِّئْ أَعْصَابَكَ ! . هَدِّئْ رَوْعَكَ ... هَدِّئْ نَفْسَكَ ! درية: ( وَ مَعَهَا " مُراد " يَحُوطَان الأبَ ) صِحَّتَكَ يا أَبِي ! ... صِحَّتُكَ هِيَ كُلُّ مَالِنَا ... هِي خَيْرٌ لَدَيْنَا مِنْ آلَافِ الْجُنَيْهَاتِ... لَا تَجْعَلْ لِلْمَالِ كُلَّ هَذِهِ الْقِيمَةِ!... الأب : ( يَهْدَأُ قَلِيلاً ) " درية " ! ... بِنْتِي ... كُلُّ هَمِّي هَذَا مِنْ أَجْلِ مُسْتَقْبَلِكِ أَنْتِ. درية: لَا تَهْتَمَّ كَثِيراً بِمُسْتَقْبَلِي يَا أَبِي ! ... إِنِّي أَرَى هَذا الْمُسْتَقْبَلَ عَلَى طَرِيقَتِي أَنَا ... و بِعَيْني أَنَا ... أَنَا الَّتِي أَرَى "الْكَنْزَ"! ... الأب: ( يرفَعُ رَأْسَهُ ) تَرَيْنَ الْكَنْزَ ؟ ... درية : نَعَمْ ... هَا هُوَ ذَا.. ( تُشِيرُ إلى " مراد " ) هُوَ " الإيمانُ " الَّذي يُضِئُ فِيَّ . الأب: ( يَنْظُرُ إِلَى " مراد " ساخِراً، ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى " درية " ) يا لَها مِنْ جَواهِرَ ثَمِينَة!!... درية: تِلْكَ نَظْرَتُنَا إِلَى الْحَيَاةِ يا أَبِي... وَ تِلْكَ فِي أَعْيُنِنَا هِيَ الْجَوَاهِرُ الْحَقِيقِيَّةُ!... الأم: ( للأبِ ) صَدَقَتْ و اللهِ " درية " يا " محمود"... الْحَقُّ أَنَّ لِكُلِّ إِنْسَانٍ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ كَنْزُهُ الثَّمِينُ، وَ لَكِنَّ الْعِبْرَةَ هِيَ أَنْ يَعْرِفَهُ وَ يَكٌشِفَهُ و يَقْنَعَ بِهِ ... أنا أيْضاً لي " كَنْزِي " !... توفيق الحكيم ، مَسْرَحُ الْمُجْتَمَعِ ، مؤسسات عبدالكريم بن عبدالله ، تونس ، 1987 ، ص. 321 و ما بعدها ( بتصرف ).
|
خطوات الإنجاز
1) المقدمة : تأطير النص ثقافيا و أدبيا
2) ملاحظة النص: التركيز على العتبات بغرض صياغة فرضية مناسبة لقراءة النص
3) فهم النص: يتم تلخيص متن النص بعد قراءته بتمعن
4) جرد القوى الفاعلة و تصنيفها
5) الكشف عن البنية العاملية التي تنتظم وفقها القوى الفاعلة في النص
6) استخراج زمن و مكان الأحداث و تحديد طبيعتهما و دلالتهما
7) رصد طبيعة الحوار و تبيان وظيفته في بناء الشخصيات و تنامي الأحداث
8)
تحديد بنية انتظام الأحداث من خلال توضيح الخطاطة السردية للنص
9) تركيب و تقويم
المنجز
📚مثال مقدمة الإنشاء الأدبي : تأطير النص ثقافيا و أدبيا
تتم في هذه الخطوة صياغة إشكالية النص المسرحي ، من خلال وضعه في سياقه الثقافي الأدبي ، كالتعريف بالمسرح اعتمادا على التمييز بين النص المسرحي الموجه للقارئ و العرض المسرحي الممثل من قبل ممثلين فوق الركح ، الموجه للمشاهد المتفرج . فالنص المسرحي هو نص حواري تتخلله إرشادات مسرحية بغرض توجيه القارئ إلى طبيعة أثاث المكان و لباس الشخصيات و حالاتها النفسية ، أثناء الحوار... و من مميزات التأليف المسرحي وخصائصه الفنية: الصراع، و تصاعد الحكاية دراميا، و دقة بناء الشخصيات خلال تطورها... و كانت بداية التأليف المسرحي في الأدب العربي منذ ثلاثينات القرن العشرين بفضل المثاقفة و الترجمة لأعمال مسرحية عالمية مثل روميو و جولييت لوليام شكسبير . ثم بعد هذا التأطير الثقافي الأدبي ، نقدم مثال أسماء بعض الكتاب و المؤلفين المسرحيين في الأدب العربي ، نذكر على سبيل المثال لا الحصر ، سعد الله ونوس ، محمد الكغاط ، عبد الكريم برشيد ... ثم نعرف،و بإيجاز ، بصاحب النص الأديب المصري توفيق الحكيم ، مع تقديم عناوين بعض أعماله المسرحية ، مثلا أهل الكهف ، شهرزاد ، الملك أوديب، يا طالع الشجرة ، و هو الذي اشتهر بكاتب المسرح الذهني القائم على الرمز في نقد ظواهر عصره الاجتماعية و الثقافية و السياسية . و هذا النص المسرحي موضوع دراستنا مقتطف من نص مسرحي بعنوان الكنز الذي ورد ضمن كتاب لتوفيق الحكيم بعنوان مسرح المجتمع. فما موضوع نصنا هذا؟ و كيف شَخَّص الكاتب هذا الموضوع؟
📝 مثال تطبيقي لبناء فرضية مناسبة لقراءة النص
يتم التركيز على العتبات بغرض صياغة فرضية مناسبة لقراءة النص . فبعد أن تمت صياغة إشكالية قراءة نصنا المسرحي، نتجه إلى صياغة فرضية مناسبة لقراءته، وذلك من خلال ربط دلالات عتبات النص ( العنوان ، النص الإرشادي المكتوب بلون أحمر في رأس النص مثلا ، ) بموضوع النص المرتقب ، كأن نفترض ، على سبيل المثال لا الحصر ، أن موضوع النص يخص كنزا ذا طبيعة مغايرة لطبيعة الكنز المادي ، لأن الخطيبة رفضت الجلوس إلى الخطيب الثري ، كما يؤشر على ذلك ، النص الإرشادي في المستهل.
📜📝مثال تطبيقي لتلخيص متن النص بعد القراءة الفاحصة
لابد من التركيز على فهم النص أولا بقراءته قراءة متأنية تساعدنا على تلخيص متنه . فنص الكنز ينقسم إلى أربعة مشاهد ؛ في المشهد الأول يدور الحوار بين والدي الخطيبة و الخطيب الثري، مع امتناع درية (الخطيبة) عن مجالسة هذا الأخير ، الذي استطاع بالعزف على وتر الثروة و الغنى أن يقنع الأب بقبوله زوجا لبنته، في وقت ظلت فيه الأم مترددة بين موقف الرفض ( و هو موقف درية) و موقف القبول ( و هو موقف الأب). و في المشهد الثاني تتدخل شخصية الساحر لتواجه وتجابه الخطيب الثري ، فيحتدم الصراع بينهما، و يكشف الساحر عن اسمه و هويته : مراد ، تخصص هندسة المناجم ، خريج جامعة كَمْبرِدْج . سحره هو العلم الذي يكشف عن الكنز المخبوء بين حيطان البيت الذي يجري داخله الحوار ، و بحيلة اختيار الفرد المناسب من بين أفراد أهل المنزل ، الذي يفتح على عينيه هذا الكنز ، يستطيع مراد أن يجعل الأب يغير موقفه من الخطيب الثري ، و يجعله يغادر المنزل غاضبا مسخورا منه . أما في المشهد الثالث، فينفرد مراد بدرية و يبوح بحبه لها ، و يوضح أن الكنز المقصود هو حبيبته/ خطيبته، و أنه بحبه لها قد يواجه كل المصاعب . و في المشهد الرابع و الأخير يدخل والدا درية ، فيستفسر الأب عن الكنز الذي فتح على عيني درية ليكون الجواب أنها هي الكنز الحقيقي ، و يصرخ الأب محتجا متأسفا على طرد الخطيب الثري . وبتروٍ وتعقل يتم إقناعه أن لكل إنسان كنزه _ حبه و أن الكنز الحقيقي هو الزواج المبني على الحب لا على الطمع . و عليه فموضوع هذا النص المسرحي هو موضوع اجتماعي، حيث ينتقد من خلاله توفيق الحكيم تزويج البنات بغاية الطمع الذي ينقلب بعد الزواج مباشرة إلى سوسة تنخر الطرفين و تؤدي إلى مشاكل كثيرة . في حين يبقى زواج الحب هو الكنز الذي لا يفنى لأنه صمام أمان العلاقة الزوجية وتأشير على دوامها.
📖📃مثال تطبيقي لجرد القوى الفاعلة و تصنيفها
قام بتحريك أحداث نص الكنز ، و أسهم في تناميها مجموعة من القُوى الفاعلة ؛ فمنها ما يندرج ضمن المشاعر و المواقف ، كالحب الذي جمع بين مراد و درية ، أو السخرية والتحدي بين مراد و الخطيب الثري ، فضلا عن الطمع بالنسبة لوالد درية . و منها ما ينتمي إلى الأشياء الجامدة كالكنز و شاي الآنسة درية .. و منها كذلك الشخصيات : الأب ( أب درية ) الذي يتسم بالتسلط و الطمع بدعوى أنه رب الأسرة ، و يمثل القيم البالية التي ترى البنت بضاعة تباع و تشترى، وكذلك الخطيب الثري نموذج الإنسان المتعالي ، الذي يرى أن بالمال وحده يمكن أن يشتريَ المواقف و المشاعر النبيلة مثل الحب و موافقة الوالدين على تزويجه بنتهما ، تهافتا على جاهه و ثروته . ثم شخصية الأم التي تقف مترددة بين تسلط الأب و طمعه و رفض البنت الخضوع للزواج المبني على المادة ، الخالي من الحب . أما شخصية مراد فهي شخصية تنتصر للقيم الإنسانية النبيلة مثل : ترويض عقلية الجهلة الذين يبخسون الإنسان قيمته، اعتمادا على الحيلة والتحدي (تحدي الأب و الخطيب الثري ) إضافة إلى النبل و الحب الخالص الذي يرى أن المال يبقى أداة ووسيلة فقط ، بينما الغاية هي الإنسان . و هذا ما يتقاسمه مع شخصية درية المتمردة على سطوة التبعية، التي يكرسها النموذج التقليدي في الزواج، و المؤمنة أن الحب هو اللبنة الأولى في تشييد صرح العلاقة الزوجية السليمة ، بل هو كنز الكنوز .
📉📈مثال تطبيقي للكشف عن البنية
العاملية في نص الكنز
تجمع بين القوى الفاعلة، في نص الكنز ، مجموعة من العلاقات المتداخلة يمكن تحديدها عبر ثلاثة محاور ؛ أولها محور الرغبة ، حيث تتجسد علاقة الذات الراغبة في الموضوع كما يأتي : العامل الذات الأول ( الخطيب الثري) الذي يرغب في الاتصال بالعامل الموضوع ( درية ) ، و يشارك العاملَ الذات الأولَ في الرغبة نفسها عاملٌ ذات ثانٍ ( مراد). وبالنسبة للمحور الثاني ، و هو محور الصراع ، فتجد كل ذات راغبة ( الخطيب الثري ، مراد ) في الاتصال بالموضوع ( درية) عوامل تعيق هذا الاتصال وتحوله إلى انفصال ، و تسمى : العوامل المعيقة؛ فالعامل الذات الأول( الخطيب الثري) يمنعه من تحقيق رغبة الزواج بدرية عوامل عدة منها : رفض درية مجالسته رفقة الوالدين، دخول الساحر (مراد) الذي نجح ، بعلمه و قدرته على التحدي ، في جعل الأب يتخلى عن موقف الخطيب الثري ، ويتركه يغادر البيت غاضبا مسخورا منه . و في المقابل ساعدته عدة عوامل على تحقيق رغبة الاتصال بموضوعه ( درية ) مثل الثراء، والجاه، و التعالي، و طمع الأب... في حين حال دون اتصال العامل الذات الثاني ( مراد ) بالعامل الموضوع ( درية ) مجموعة من العوامل ؛ منها طمع الأب ، سخرية الخطيب الثري ، و كذا ماله و جاهه .. بينما ساعدته مجموعة من العوامل، كالقدرة على ترويض العقلية البالية القديمة ، اعتمادا على الحيلة ، زيادة على التحلي بقيم العلم و التحدي والحب . و المحور الثالث ؛ و هو محور التواصل / الإرسال : إن ما جعل الخطيب الثري يرغب في الزواج بدرية هو حب تملك المرأة و جعلها بضاعة تباع و تشترى، في المقابل ، نلاحظ أن ما دفع مراد إلى الاتصال بموضوعه هو حب الإنسان و تذوق الجمال ، و اعتبار المال وسيلة لا غاية .. تسمى كل هذه الدوافع ، بالنسبة للخطيب الثري أو بالنسبة لمراد ، بالعامل المرسل . أما الجهة المستفيدة من كل هذه الدوافع _ العامل المرسل إليه: فهي مؤسسة الزواج .
وعليه ، يقوم نص الكنز ، بخصوص محور الرغبة ، على ثلاث بنى : أولها بنية تباين الرغبات ، في مستهل النص ، حيث نلاحظ أن العامل الذات الأول ( الخطيب الثري) يرغب في الاتصال بالعامل الموضوع( درية ) ، بينما ترفض درية الاتصال و تجنح للانفصال عن هذا الخطيب الثري . ثانيها : بنية الصراع :إذ يحتدم الصراع ، في وضعية الوسط ، لمَّا دخل مراد ، العامل الذات الثاني، و رغب في الاتصال بالعامل الموضوع نفسه ( درية ) ، و في هذا الصراع لجأ كل عامل ذات إلى التمسك بالعوامل المساعدة لتحقيق الاتصال و تجاوز العوامل المعيقة التي تؤدي إلى الانفصال ( كما أشرنا إلى هذا سابقا على مستوى محور الصراع). ثم ثالثها : بنية التفسخ، في الوضعية النهائية، حيث انتهى الصراع لصالح العامل الذات الثاني ( مراد) بتحقيق الاتصال بالعامل الموضوع ( درية).
من الوظائف الجمالية للبنية العاملية في نص الكنز ، نذكر : المساهمة في حث القارئ على مواصلة قراءة النص ، من البداية إلى النهاية اعتمادا على عنصر التشويق و كذا الاستجابة لأفق التلقي ، قراءة النص، القائم على وضعية استهلال ( بداية)، وضعية وسط (عقدة) ، و وضعية نهائية ( حل ).
📑 مثال تطبيقي لرصد الزمان و المكان: البنية و الدلالة
إن الوعاء الزمني الذي احتوى أحداث هذا النص المسرحي، و الذي كان له الأثر البارز في الشخصيات، هو زمن الخطبة، زمن الانتقال و الانفصال عن الحياة الفردية و الاتصال بالحياة الزوجية. زمن جعل كل شخصية تتفنن في لعبة القناع: الخفاء و الظهور. حيث أظهر الخطيب الثري، عكس المتوقع و المألوف، شخصية مادية، فجّة، ساخرة من قيم العلم، ثم غاضبة في النهاية. في حين جعل هذا الزمن شخصية مراد شخصية تخفي، بالتحايل، ما ستظهره بعد حين؛ ذلك أنه ما إن تمكن من الانخراط في دائرة الحوار حتى استطاع ، بالحيلة ، أن يقنع الأب بوجود كنز في منزله ؛ و أن يفحم ، بالسخرية، الخطيب الثري . كما حول زمن الخطبة الأب من موقع المسؤول و الواعي بجسامة هذه المرحلة الانتقالية ، بالنسبة لفلذة كبده درية ، إلى موقع التاجر المفاوض في سوق البشرية ! رغبة و طمعا في الثروة والجاه.
نهض الحوار في نص الكنز بوظائف عدة، أولها التعارف، كما هو الشأن في الحوار بين مراد والأب، أو بين الأب و الخطيب الثري، في مستهل النص. و ثانيها إذكاء فتيل الصراع بين الشخصيات وتأزيم الأحداث ؛ و هذا ما تحقق بدخول مراد إلى حلبة التحدي و الترويض: تحدي كبرياء الخطيب الثري الفج ، و ترويض قناعة الأب المتمثلة في أن الكنز هو المال . و ثالثها وظيفة التواصل الذي تم في نهاية النص المسرحي، بعدما اقتنع الأب أن الكنز الحقيقي هو الزواج القائم على الحب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق