1) توطين الفصل الرابع
2) أبرز المضامين الفكرية للفصل الرابع
1.2) تقديم
2.2) ارتباط تقارب الشكل الجديد بين الشعراء المحدثين بوحدة التجربة الشعرية
3.2 ) خلاصة عامة
3) تطور اللغة في الشعر العربي الحديث
1.3) تقديم
2.3) نقد رأي الناقد محمد النويهي بخصوص لغة الشعر الحديث و التعقيب عليه
4) دراسة قضايا تطور لغة الشعر الحديث التي أغفلها محمد النويهي في كتابه قضية الشعر الجديد
1.4) القضية الأولى : النَّفَس التقليدي في لغة الشعر الحديث
2.4 ) القضية الثانية :البعد عن لغة الحديث اليومية
3.4) القضية الثالثة : السياق الدرامي للغة الشعر الحديث
4.4) خلاصة عامة حول تطور اللغة في الشعر الحديث
5) التعبير بالصورة الشعرية
1.5) تقديم
2.5) الصورة الشعرية و توسيع آفاق التجربة الشعرية الحديثة
3.5) ارتباط الصورة الشعرية بثقافة الشاعر الحديث
6) تطور الأسس الموسيقية للشعر الحديث
1.6) تقديم
2.6) تطورالإطار الموسيقي للقصيدة الحديثة بين التطرف و الاعتدال
3.6) اختلاف النقاد حول مظاهر تطوير الإطار الموسيقي للشعر الحديث
4.6) وزن القصيدة الحديثة بين الإقبال على البحور الصافية و العزوف عن البحور المختلطة
5.6) مسألة التدوير في الشعر الحديث
6.6) نظام القافية في الشعر الحديث
7) على سبيل الختم
المنجز
1) توطين الفصل الرابع
الفصل الرابع هو الفصل الأخير من مؤلف ظاهرة الشعر الحديث ، يمتد من الصفحة [195] إلى الصفحة [264] من مؤلف ظاهرة الشعر الحديث ، و قد درس فيه المؤلف أحمد المعداوي مظاهر التطور التي عرفها الشكل في الشعر لكي يناسب المضامين الجديدة المتمثلة في إيقاعي الألم و الأمل . فما مظاهر هذا التطور التي عرفها الشكل الشعري الجديد على مستوى اللغة ، و الصورة الشعرية ، ثم الإيقاع ؟
2) أبرز المضامين الفكرية للفصل الرابع
1.2) تقديم
إن مضمون تجربة الشعر الحديث جعلها ذات قيمة شعرية و فكرية عظيمة لأنها جمعت بين الكشف عن الواقع النفسي الفردي للشاعر و بين واقعه الاجتماعي و الحضاري . فماذا عن شكلها ، أي الوسائل الفنية ؟ هل نسجت تجربة الشعر الحديث مضمونها على منوال القالب الجمالي الشعري القديم أم أنها أبدعت شكلا جديدا لمضمونها الجديد؟ يجيب الفصل الرابع الموسوم ب / الشكل الجديد / على هذا السؤال المحوري ، و على الأسئلة الجزئية التي تتشعب عنه .
يرفض المؤلف بداية أن يكون الشكل الشعري القديم صالحا للمضامين الجديدة ، و يقر أن الأدوات و الوسائل الفنية ، التي يستند إليها الشاعر الحديث في تجربته الشعرية ، هي وسائل متصلة باللحظة التي يحياها ، منفصلة عن الماضي . و يعلن أحمد المعداوي عن رفضه أيضا اتخاذ التخلص من الشكل الواحد المفروض على القصيدة مطية إلى جعل كل قصيدة حديثة ذات شكل خاص ، و قد عزز موقفه الرافض هذا بكلمة للناقدة خالدة سعيد المصاحبة لديوان التحولات و الهجرة في أقانيم النهار و الليل للشاعر أدونيس . حيث إن ابتكار شكل جديد لكل قصيدة يؤدي، من منظور المعداوي، إلى نتيجتين اثنتين مضرتين بالإبداع ؛ تتجلى الأولى في الحد من حرية الشاعر ، و ذلك بجعله ينفصل مرغما عن التجارب الشعرية المعاصرة له قبل أن يحقق الاتصال بها . و تكمن النتيجة الثانية في ما يترتب عن تعدد الأشكال من سقوط في الغموض المفرط الذي يعزل الشعر الحديث عن القراء.
2.2) ارتباط تقارب الشكل الجديد بين الشعراء المحدثين بوحدة التجربة الشعرية
يبرز المعداوي ، بعد هذا التأطير ، أن التجارب الشعرية الحديثة ، لدى الشعراء الذين اكتملت ملامح شخصيتهم الشعرية ، تتسم بالتقارب في الأسلوب و التعبير و الصور البيانية و الرموز و الأساطير ، و كذا في بناء القصيدة . ويرجع المؤلف هذا التقارب في الشكل إلى وحدة التجربة الشعرية ، كما سبق أن بين ذلك ، مع تجربة الغربة والضياع وتجربة الحياة و الموت . و لتقديم أمثلة حية و دالة على وحدة التجربة الشعرية التي تتطلب وحدة الوسائل الفنية ، أجرى الكاتب أحمد المعداوي مقارنة بين تجربة البياتي الشعرية في ديوان الموت و الحياة ، و تجربة الشاعر نفسه في قصيدة معنونة بقصائد حب إلى عشتار ، و استنتج وجود تشابه كبير بين التجربتين الشعريتين لدى البياتي رغم التباعد الزمني بينهما . و من أوجه التشابه بينهما يشير الناقد المعداوي إلى الحضور المكثف للإشارات و الرموز و الأساطير . ثم ينبهنا الكاتب إلى أن هذا التشابه لا يعني التطابق بين قصائد ديوان الحياة و الموت وقصيدة قصائد حب إلى عشتار ، و إنما توجد بين التجربتين أوجه تباين عديدة أبرزها : أن استخدام الرمز في قصيدة قصائد حب إلى عشتار ، رغم أن معانيها مشبعة بالأسطوري و الصوفي ، هو استخدام يتميز بالشفافية والإشراق على خلاف استخدامه في قصائد ديوان الحياة و الموت المطبوع بالحدة و الصرامة ، ما جعل الشاعر يخصص في هذا الديوان هامشا لشرح الرموز و توضيح الغاية منها . و هذا التباين في استخدام الرمز في التجربتين الشعرتين هو ، حسب المؤلف ، ثمرة إعادة نظر الشاعر البياتي في وسائله التعبيرية خلال مرحلة ما بعد النكسة في قصيدة قصائد حب إلى عشتار .
استنتج المعداوي ، بعد إجراء مقارنة بين تجربتين شعريتين لدى الشاعر عبدالوهاب البياتي و إبرازه لأوجه التشابه و أوجه الاختلاف بين هذين التجربتين ، أن الشكل في الشعر الحديث ينمو بنمو التجربة الشعرية و تطورها ، ويتوقف هذا النمو على توفر الزمن الكافي لكتابة ديوان شعري ، و هو الزمن الذي يحتاجه وجدان الشاعر من أجل تمثل حركة الواقع ووعيها ، أي زمن تطور المضمون نفسه . و بهذا يستخلص المؤلف أحمد المعداوي أن الشكل والمضمون يتطوران معا في التحام تام ، و قد عزز استنتاجه برأي الشاعر أدونيس الذي يرى أن الشكل " وعاء فارغ يتقدم في التاريخ سائلا عن شاعر يملأه ، و عن مادة / مضمون/ يمتلئ بها "
ينهي الكاتب تقديمه للفصل الرابع بِعَدِّه فصل القِيَّم الفنية الجمالية مقابل القيم الفكرية و الشعورية في الفصلين الثاني و الثالث ، ثم يؤكد أن الشكل الشعري الحديث استطاع ، خلال عشرين سنةً من النمو ، أن يتجاوز الشكل القديم ويؤسس لشكل جديد يصعب على القارئ اختراق حصنه إذا لم يكن مُلِمًّا بالتحولات الثورية التي عرفتها العناصر الأساسية للشكل الشعري ، و المتجسدة في اللغة و الإيقاع و التصوير البياني .
3) تطور اللغة في الشعر العربي الحديث
1.3) تقديم
يؤكد أحمد المعداوي بداية أن تطور لغة القصيدة ، بوصفها عنصرا أساسيا من عناصر الشكل الجديد ، لم يكن في اتجاه واحد ، و إنما كان تطورا متسما بتنوع الاتجاهات و اختلافها . و قد حدد المؤلف مصادر هذا التنوع والاختلاف في نمو لغة الشاعر و في الروابط الوراثية و الثقافية بالإضافة إلى تباين تجارب الشعراء : التباين الذي جعل لغة الشعر الحديث تتميز بأكثر من خاصية .
2.3) نقد رأي الناقد محمد النويهي بخصوص لغة الشعر الحديث و التعقيب عليه
ينتقل المؤلف ، بعد تمهيده النظري لعنصر اللغة ، إلى تشريح رأي الناقد محمد النويهي الذي عبر عنه في كتاب له بعنوان : قضية الشعر الجديد. و قد خلص الكاتب إلى أن رأي النويهي رأي قاصر و جزئي لأنه جعل لغة الشعر الحديث قريبة من لغة الحديث اليومي ، و يرد قصور هذا الرأي إلى اكتفاء صاحبه بدراسة تجربة شاعر واحد في ديوان واحد له ، حيث قام بدراسة لغة ديوان الناس في بلادي للشاعر صلاح عبد الصبور ، دون أن يوسع الدراسة و التأمل ليشملا تجارب الشعراء الآخرين ، كما يعيب المؤلف على الكاتب محمد النويهي غياب النظر الفاحص لآراء غيره من دارسي الحركة الشعرية الحديثة
4) دراسة قضايا تطور لغة الشعر الحديث التي أغفلها محمد النويهي في كتابه قضية الشعر الجديد
يشرع أحمد المعداوي بعد تعقيبه على رأي محمد النويهي بخصوص لغة الشعر الحديث ، في توضيح القضايا التي أهملها النويهي ، و قد حصرها المؤلف في ثلاث قضايا هي كما يأتي :
1.4) القضية الأولى : النَّفَس التقليدي في لغة الشعر الحديث
يتجسد النفس التقليدي في تجارب بعض الشعراء المحدثين الذين فضلوا العبارة الفخمة و السبك المتين في التعبير عن تجارب و مواقف فكرية و شعورية حديثة . و من هؤلاء الشعراء يضرب المؤلف مثلا بتجربة الشاعر بدر شاكر السياب في قصيدتيه : " مدينة بلا مطر " و " منازل الأقنان " ، و يبرز أحمد المعداوي استخدام السياب النفس التقليدي للغة ؛ و ذلك باستعمال الصيغة الصرفية فَعْلَلَة ، كما هو الشأن مع وَشْوَشَة في قصيدة مدينة بلا مطر ، و يرد المؤلف هذا الاستخدام من قبل السياب لا إلى كون هذه الصيغة قريبة من لغة الحديث اليومي ، و إنما إلى غرض إيقاعي يتمثل في بعث الحركة و الحياة بمنزل خَرِبٍ مهجور . و من أجل إبراز البعد التقليدي أكثر في تجربة الشاعر بدر شاكر السياب ، دعا المؤلف إلى مقارنة تجربة هذا الشاعر بتجارب شعراء لهم ميل إلى استخدام لغة الحديث اليومي مثل تجربة الشاعر أمل دنقل في قصيدته " البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" . و يستخلص الناقد من هذه المقارنة أن حضور لغة الكلام الحية / الكلام اليومي / في الشعر الحديث ليس إلا وجها واحدا من وجوه لغة هذا الشعر.
2.4 ) القضية الثانية :البعد عن لغة الحديث اليومية
استهل الكاتب دراسته لهذه القضية بإجراء مقارنة بين لغة الحديث اليومي التي ترتبط بالجانب النفعي في حياتنا و يطبعها الوضوح ، و بين لغة الشعر الموسومة بالنزوع إلى الثورة على النفعي حتى لدى أكثر الشعراء ارتباطا بالواقع ، و هذا ما يجعلها لغة مشدودة إلى المستقبل و تتصف بالمثالية و الغموص . و يستشهد المعداوي على صحة رأيه بآراء شعراء و لغويين عرب و أجانب تؤكد أن مفردات اللغة تستمد قوتها و طاقتها الشعريتين من الابتعاد عن عالم الحياة العادية و تجاربها ، و بالاقتراب من الفكر و الشعور . و من الأمثلة الحية على هذا الابتعاد عن لغة الحديث الحية في الشعر الحديث يقدم المؤلف مقطعا شعريا من تجربة أدونيس في قصيدته " ساحر الغبار " ضمن ديوانه مهيار الدمشقي، ثم يبرز كيف سعى الشاعر إلى خلق لغة جديدة تثور مفرداتها على معجم العادة و على التركيب أيضا إلى حد يعجز معه القارئ العادي عن تبديد غموضها ، فيلجأ إلى الاستعانة بثقافة أدبية و خبرة كبيرة بأسرار اللغة التي لا تتوفر إلا للناقد المتمكن . ثم يستنتج المعداوي أن لغة أدونيس الشعرية تخرق منطق اللغة العادية و تؤسس لمنطق عالم جديد يريد خلقه. و ينضاف إلى أدونيس في هذا الخلق للغة جديدة شعراء آخرون أمثال الشاعر عبدالوهاب البياتي، الذي يربط الكلمات من حيث الدلالة بما لا يوجد في الواقع ، و كذا الشاعر محمد عفيفي مطر الذي يعلن عن ضيقه بلغة الحديث الحية في قصيدة له بعنوان : قصيدة في المعرفة المرة ، ثم الشاعر صلاح عبد الصبور أيضا ، الذي يعتبر البساطة في لغة الشعر نوعا من السطحية المؤذية له و الضارة به . ويصل المؤلف أحمد المعداوي ، بعد تفسير القضية الثانية بالتحليل و الأمثلة ، إلى خلاصة تقر بوجود لغة شعرية في الشعر الحديث تحمل قِيَّما و دلالات مغايرة وبعيدة عن لغة الحديث اليومي .
3.4) القضية الثالثة : السياق الدرامي للغة الشعر الحديث
يثبت الكاتب أن ما يميز سياق لغة الشاعرالحديث ، تقليدية كانت أو شفافة أو غامضة ، هو السياق الصادر عن صوت داخلي منبثق من أعماق الذات و المتجه إليها في الوقت نفسه مقابل السياق اللغوي عند الشاعر القديم ، الذي ينبع من داخل ذات الشاعر و يتجه إلى الخارج في صورة التماس أو خطاب أو على شكل دعوة إلى المشاركة والتعاطف .إن الشاعر الحديث يحافظ على الجدار الفاصل بينه و بين القارئ ، ذلك أنه مهما بلغ موقفه من الذات أومن المجتمع أو من الكون يبقى رهين حواره مع نفسه ، لأنه يعلم أن تعاطف المتلقي معه لا جدوى منه، مادام يعبر بشعره عن موقف إدانة لحالة اليأس من الخارج الذي يُعدُّ المتلقي جزءا منه . و لتوضيح رأيه أكثر يقدم المعداوي مثالا من قصيدة للشاعر محمد مفتاح الفيتوري بعنوان " معزوفة لدرويش متجول " من ديوان للشاعر يحمل العنوان نفسه ، فيبين المؤلف أن الحوار / الصراع الدائر داخل نفس الدرويش لا يتطلب إشفاقا أو تعاطفا، لأنه حوار إدانة للتناقض الذي تعرفه الحياة ، فيتجه من خلال سياق اللغة إلى أعماق الذات بدل الاتجاه إلى الخارج ، و ذلك رغبة من الشاعر في العزوف عن إشفاق المحيطين به ، و تفرغه لسبر أغوار النفس في علاقتها المتوترة مع المجتمع والكون. لقد استقال الشاعر إذن من مهمة الناطق باسم الجماعة و تبنى سياقا لغويا جديدا يدور فيه الحوار بين الشاعر و نفسه بعيدا عن العالم الخارجي ، و ذلك باعتماد الهمس و الإيماء و الإشارة . و هذا كله يجعل السياق اللغوي الجديد بمنأى عن لغة الحديث المألوفة .
4.4) خلاصة عامة حول تطور اللغة في الشعر الحديث
يختم صاحب ظاهرة الشعر الحديث دراسته لعنصر اللغة ، بوصفه مكونا من مكونات الشكل الجديد للقصيدة الحديثة إلى جانب مكون الصورة الشعرية و مكون الإيقاع ، بتوكيده على أن اقتراب لغة الشعر الحديث من لغة الحديث اليومي ليس إلا وجها واحدا من وجوه هذه اللغة مثل صلتها بمناخ القصيدة التقليدية ، و كذا قدرتها على الإيماء والإشارة و الهمس و التحلل من منطق الواقع ، التي تستمدها من سياقها الجديد . ولا يفوته التنبيه إلى أن غياب الوعي بكل هذه التحولات التي عرفتها لغة الشعر الحديث يجعل المتلقي بعيدا عن فهم هذا الشعر و عاجزا عن تذوقه فيتهمه بتهمة الغموض .
5) التعبير بالصورة الشعرية
1.5) تقديم
يبدأ المؤلف دراسته لهذا العنصر الأساس في الشكل الجديد بإجراء مقارنة بين الصورة الشعرية في شعر التيار الذاتي وفي الشعر الحديث ؛ و يستنتج أنها في الشعر الذاتي قد عملت على الحد من سطوة التراث البياني على أَخْيِلَة الشاعر ، و ربطتها بتجربة الشاعر الذاتية ، و هذا ما يتجلى بوضوح في تجارب الشاعرين الذاتيين إبراهيم ناجي و إيليا أبي ماضي مثلا . في حين قامت مع التجربة الشعرية الحديثة بتوسيع الآفاق لتشمل كل الاحتمالات ؛ ذلك أنها لم تكتفِ باحتواء تجربة الشاعر الفردية و تحرير أخيلته من سلطة التراث فقط ، و إنما اتسعت لتشمل هموم المجتمع وعلاقته بحركة التاريخ في تناقضاته ( التقدم # التخلف ) .
2.5) الصورة الشعرية و توسيع آفاق التجربة الشعرية الحديثة
من الأمثلة الدالة على توسيع الصورة الشعرية لآفاق التجربة الشعرية الحديثة يقدم المؤلف عَيِّنَةً شِعْرِيَّةً من شعر الشاعر بدر شاكر السياب في قصيدته " بُوَيْبٌ " ( اسم نهر قريب من قرية الشاعر المسماة ب " جيكور " ) . فالقارئ لهذه العينة الشعرية يقف متسائلا عن مدلول الصورة في ذاتها أولا ، و في علاقتها ببعضها البعض ثانيا ، ثم في علاقتها بتجربة الشاعر ثالثا. و يواصل المؤلف تحليل هذا المقطع الشعري من قصيدة السياب ليستنتج أن الشاعر الحديث استطاع الحد من اتساع مدلول الصورة الشعرية من خلال ربطها بسائر الصور في القصيدة . و بهذا حقق هدفا غاليا في الشعر الحديث ؛ و يتجسد هذا الهدف في التعبير بالصورة الشعرية الذي يبعد القصيدة الحديثة عن جفاف اللغة التقريرية ، و يجعل بناءها محكوما دلاليا بحركة الخيال بعدما تخلصت من الوحدة الموسيقية التقليدية ( البيت الشعري ). ثم ينتقل صاحب ظاهرة الشعر الحديث إلى تحليل مقطع شعري من قصيدة المغني و القمر للشاعر عبدالوهاب البياتي ، ليبرز كيف يعبر الشاعر الحديث بالصورة الشعرية بوصفها لغة الاحتمالات الدلالية التي تبتعد عن المعنى المرجعي / الحرفي . ففي هذا المقطع يلجأ الشاعر البياتي إلى استخدام مجموعة من الرموز مثل : الخنجر ، الناي ، الليل ، فيستنتج الكاتب أن دلالة اللعب في هذه القصيدة تتراوح بين الفن و السخرية حسب المناخ العام للقصيدة. و يتثبت أحمد المعداوي أن بعض الصور تحيا حياة خصبة حينما تتجاوز القصيدة الواحدة و ترتبط بتجربة الشاعر و رحابتها ، كما هو الأمر مع حركة الماء في تجربة الحياة و الموت لدى الشاعر بدر شاكر السياب ، و يعزز أحمد المعداوي رأيه بمثال يدل على أصالة حركة الماء في تجربة الشاعر السياب ، و يتجسد المثال في السطر الشعري الآتي : عَيْنَاكِ حِينَ تَبْسِمَان تُورق الكروم .
3.5) ارتباط الصورة الشعرية بثقافة الشاعرالحديث
تلعب ثقافة الشاعر الحديث دورا كبيرا في تغذية الصورة في تجربته الشعرية ،وذلك بعدما يتم تجريدها من بعدها الزمني و يتم إخضاعها لتجربة أعماق نفس الشاعر التي تحولها إلى رمز / رموز تحتوي المضامين الفكرية والعاطفية للشاعر ، كما في قصيدة أبي زيد السروجي للشاعر عبد الوهاب البياتي . حيث تتحول بغداد بعد تحريرها من الزمن المرجعي إلى رمز الحضارة التي هددها المغول ، و تصبح مدريد رمز التحرر ، في حين يغدو أبوزيد رمزا لانحطاط القِيَّم الإنسانية ، إن هذه الصور الشعرية كلها قادمة من أعماق نفس الشاعر من أجل التعبير عن خلود القيم بكل أنواعها عبر العصور . ثم يختم المؤلف دراسة الصورة الشعرية في الشكل الجديد باستنتاج أن ثقافة الشاعر الواسعة مكنته من قطف و اجتناء رموز وسعت مدلول صوره البيانية في التعبير عن تجاربه الجديدة ، و جعلها تنأى عن ذوق عامة الناس ، وهذا ما دفعهم إلى تبرير موقفهم من الشعر الحديث الذي يرونه شعرا غامضا .
6) تطور الأسس الموسيقية للشعر الحديث
1.6) تقديم
إن ما أثار انتباه جمهور القراء حسب المعداوي في تطور شكل القصيدة هو تطور إطارها الموسيقي . و يرجع الكاتب هذا التطور إلى اتساع الإطار الموسيقي التقليدي/ القديم لكل ألوان التطور . و لتوكيد رأيه يضرب مثلا ببعض الشعراء المحدثين الذين مالوا إلى استخدام الإطار الموسيقي التقليدي ، كما فعل الشاعر عبدالوهاب البياتي في قصيدته " الليل في كل مكان " من ديوانه : " الذي يأتي و الذي لا يأتي " . لقد طور الشاعر البياتي في هذه القصيدة اللغة والصورة غيرأنه حافظ على الإطار الموسيقي التقليدي ، و هذا ما دفع المؤلف إلى التساؤل ، و هو مؤمن بأن التطور لا يقتصر على المضمون دون أن يمس الشكل ، حول إمكان أن يكون هذا المثال خارقا لقاعدة تلاحم الشكل و المضمون من حيث التطور في الشعر الحديث . ثم يجيبنا أن تطوير الشاعر للأساس الموسيقي في الشعر الحديث كان بمقدار ما يخدم تجربته الشعرية و ليس بغرض نسف الأساس التقليدي.
2.6) تطورالإطار الموسيقي للقصيدة الحديثة بين التطرف و الاعتدال
قام المعداوي بعرض النداءات المتضاربة بخصوص تطوير الأساس الموسيقي في الشعر الحديث ، ففريق دعا إلى جعل كل قصيدة تتمتع بعروض خاص بها ، و فريق ثان دعا إلى إمكان استناد الأساس الموسيقي للقصيدة الحديثة إلى بحور الشعر العربي و تفعيلاته ، و جعل بالتالي من نظام التفعيلة أساسا موسيقيا لها . و قد اعتبر المؤلف دعوة الفريق الثاني دعوة منسجمة مع تطور موسيقى الشعر الحديث . إذ آمن أصحابها بالتجديد من داخل الأساس الموسيقي التقليدي ، فنادوا باعتماد التفعيلة الواحدة و عدم التقيد بعدد التفعيلات في البيت الواحد ، و ذلك دون التخلي الكلي على نظام القافية . ثم يقوم الكاتب بتشريح الدعوة إلى التجديد من داخل التقليد الإيقاعي ليستنتج أن عدم التقيد بعدد التفعيلات و عدم التخلي عن نظام القافية كل هذا غير كافٍ لتطوير شكل الشعر الحديث ، ذلك أن التطوير يتوقف على تجديد اللغة والصورة أيضا . ويستخلص أن الشعر الحديث ليس ظاهرة عروضية ، لأن العروض مرتبط عند الشاعر الحديث بالعاطفة و الإحساس و متصل بالفكر و الخيال .
3.6) اختلاف النقاد حول مظاهر تطوير الإطار الموسيقي للشعر الحديث
يقف المؤلف عند تفتيت الوحدة الموسيقية التقليدية : البيت الشعري لكي يبرز اختلاف النقاد حول تسمية الوحدة الموسيقية الجديدة المترتبة عن هذا التفتيت ، فيقدم اجتهادات ثلاثة نقاد رغم الاختلاف الاصطلاحي الحاصل بينهم . فقد سمت نازك الملائكة هذه الوحدة الموسيقية الجديدة الشَّطْرَ ، في حين تمسك محمد النويهي باسم البيت مقابل الشَّطْر الشعري مع عزالدين اسماعيل . وبعد هذا يصل الكاتب إلى نتيجة مُفادها : أنه رغم الاختلاف حول تسمية النقاد للوحدة الموسيقية الجديدة ، فإن هذه الأخيرة تتسم بعدم الاستقرار في الحجم ، إذ يرتبط طولها و قصرها بالنسقين الشعوري والفكري للشاعر . ثم ينقلنا المعداوي إلى اختلاف ثان بين النقاد مترتب عن الاختلاف الأول ، و يتعلق الأمر بطبيعة البناء الموسيقي العام للقصيدة الحديثة . و للتوضيح أكثر أجرى المؤلف مقارنة بين قصيدتين اثنتين نظمتا على بحر الهزح المجزوء ( مَفَاعِيلُن )، الأولى تقليدية تتكون من خمسة عشر بيتاً و الثانية حديثة تتألف هي الأخرى من خمسة عشر سطرا ، ثم استنتج بعد المقارنة أن عدد تفعيلات القصيدة التقليدية مضبوط و محدد في ستين تفعيلة ، في حين أنه غير مضبوط و لا محدد في القصيدة الحديثة . إن غياب الضبط لعدد التفعيلات في القصيدة الثانية راجع ، من منظور المعداوي، إلى خضوع البيت في القصيدة الحديثة للنسق الشعوري و الفكري الذي يختلف من بيت إلى آخر و من قصيدة إلى أخرى . و عليه فإن عدد الأبنية الموسيقية الذي يمكن استنتاجه من القصيدة الحديثة يظل غير محدود عكس القصيدة التقليدية ، ذلك أن حركة المشاعر و الأفكار و الأخيلة هي المتحكمة في طول البيت و قصره في الشعر الحديث.
4.6) وزن القصيدة الحديثة بين الإقبال على البحور الصافية و العزوف عن البحور المختلطة
تتميز البحور التي نُظِم عليها الشعر الحديث بالقلة ، حيث لا يتجاوز عددها ستة بحور ، حسب المؤلف ، هي بحر الهزح ( مَفَاعِيلُن ) ، و بحر الرمل ( فَاعِلَاتُن ) ، و بحر الرجز ( مُسْتَفْعِلُن ) ، و بحر الكامل ( مُتَفَاعِلُن ) ، و بحر المتقارب ( فَعُولُن ) ، و بحر المتدارك ( فَاعِلُن ) . و يشير المعداوي إلى أن قلة بحور الشعر الحديث لم تمنع الشاعر الحديث من أن يستخلص منها عددا لا مُتَنَاهٍ من الأبنية الموسيقية ، كما في ديوان الشاعر عبدالوهاب البياتي المعنون ب" أباريق مهشمة " ، ذلك أن الشاعر نظم ثَمَانٍ و عشرين قصيدةً على بحر الكامل و سِت قصائد على بحر الرمل . والأمر نفسه مع الشاعر صلاح عبدالصبور في ديوان " أحلام الفارس القديم " ، فنظم أربع عشرة قصيدةً على بحر الرجز و ثلاث قصائد على بحر المتدارك . إن كل هذا راجع ، حسب المؤلف ، إلى مرونة نظام التفعيلة و خضوعه لحركة المشاعر و الأفكار بتنوع التجارب التي يريد الشاعر التعبير عنها.
و من الشعراء المحدثين الذين نظموا قصائدهم على البحور المختلطة يورد المؤلف مثال الشاعر بدر شاكر السياب الذي نظم قصيدتين من ديوان " شناشيل ابنة الجلبي " ؛ الأولى على بحر الطويل و الثانية على بحرالبسيط ، ثم يتصدى أحمد المعداوي لرأي عزالدين اسماعيل بالنقد ، إذ نظر هذا الأخير إلى النظم على البحور المختلطة بوصفه تضييقا لمجال حرية الشاعر الحديث ، فقد عد المعداوي هذا الرأي رأيا باطلا ، و لتأكيد بطلانه استشهد المؤلف بمقطع شعري للشاعر أدونيس من قصيدة " مرآة لخالدة " ضمن ديوان المسرح و المرايا ، و هي القصيدة التي نُظِمَت على بحر الخفيف مع تطويع الشاعر لهذا البحر اعتمادا على التدوير ليخدم نسقه الفكري و الشعوري .حصر المؤلف أسباب عزوف الشاعر الحديث عن استثمار الطاقات الموسيقية للأبحر المختلطة في ما يأتي :
السبب الأول يتجسد في مسألة الزحاف (أ
استطاع الشاعر الحديث أن يكسر حدة التفعيلة و يجعلها أكثر مرونة باللجوء إلى الزحاف ، و يقدم المؤلف كمثال مقطعا من قصيدة الخروج للشاعر صلاح عبدالصبور ضمن ديوان " أحلام الفارس القديم " ، حيث استطاع الشاعر بزحاف الخبن كسر رتابة الإيقاع وجعله أكثر تنغيما بالمزاوجة بين تفعيلة الرجز السليمة و تفعيلته المخبونة ، فأصبح الشاعر إذن أمام إيقاعين جعلاه في غنى عن البحور المختلطة .
السبب الثاني يتمثل في تنويع الأضرب(ب
عاود أحمد المعداوي الوقوف عند المقطع الشعري السابق للشاعر صلاح عبدالصبور ليبين كيف جعل تنوعُ الزحافات تفعيلةَ (مُسْتَفْعِلُن ) تصبح ( مُسْتَفْعِلْ ) باللجوء إلى علة القطع في تفعيلات الأضرب ، فتنقل إلى مفعولن ، ويدخلها الخَبن فتصبح ٠مُتَفْعِلُنْ. ثم يستنتج الكاتب أن تنويع الأضرب في المقطع / المثال أصله تفعيلة واحدة هي : مُسْتَفْعِلُن ( الرجز ) ، إذ لم يتقيد الشاعر بعيوب القافية و استثمرها في تنويع الإيقاع و تلوين النغم .
ج) السبب الثالث يتجلى في الخروج عن قوانين التفعيلة رغبة في تطويعها
لقد تم تحويل تفعيلة بحر المتدارك (
فَاعِلُن ) إِلى ( فَاعِلْ ) في حشو البيت ، مثلما حصل مع الشاعرة نازك الملائكة
التي رأت في بداية الأمر هذا الخروج مقبولا لتعترف فيما بعد بأنه لا يحق لها
اختراق نظام التفعيلة رغم أن الرأي العام سيقبل بهذا الخرق .
5.6) مسألة التدوير في الشعر الحديث
ينبهنا المؤلف إلى أن عدد التفعيلات في البيت الشعري الواحد غير مضبوط وتابع لحركة المشاعر و الأفكار في القصيدة الحديثة ، و هو الأمر الذي أدى إلى نتيجتين اثنتين متباينتين : النتيجة الأولى تتمثل في التعبير عن الدفقة الشعورية دون الوقوع في التدوير ، و مثاله على ذلك عيِّنَة شعرية من قصيدة طريق العودة للشاعرة نازك الملائكة . في حين تكمن النتيجة الثانية في اتساع الدفقة الشعورية الذي يؤدي إلى التدوير ، و يستشهد الكاتب على تفتيت التدوير للبيت الشعري بعيِّنة شعرية من شعر الشاعر أدونيس في ديوانه " المسرح و المرايا. "
6.6) نظام القافية في الشعر الحديث
إن تفتيت نظام البيت و تغيير بناء القصيدة ترتب عنهما تغيير نظام القافية في القصيدة الحديثة . و قد قدم الكاتب عن هذا التغيير ثلاث ملاحظات نوجزها في الآتي : الملاحظة الأولى تنصب حول ربط الشاعر إيقاع البيت بإيقاع القافية بشكل عفوي دون جعلها محطة وقوف إجباري ، فالقافية في هذه الحالة تبقى محطة اختيارية تتنفس فيها حركة المشاعر و تستريح قبل مواصلة الرحلة . أما الملاحظة الثانية فقد وضح فيها الكاتب خلط الناقدة نازك الملائكة بين القافية والضرب . و أكد أن تنوع الأضرب لا يؤثر على نظام القافية . و بالنسبة للملاحظة الثالثة فهي موصولة بنظام القافية ، وتقوم بتوضيح علاقة نظام القافية بالجملة الشعرية ، و قد أجملها المؤلف في نقطتين اثنتين : النقطة الأولى ترتبط بالجمل الموسيقية المسرفة في الطول التي يغني و يستغني فيها امتداد الدفقة الشعورية عن الوقفات المنتظمة (العروضية ) . بينما تتصل النقطة الثانية بالجمل متوسطة الحجم و المتراوحة بين الجملة الشعرية و البيت الشعري .
و يستنتج أحمد المعداوي أن نظام القافية جزء من البناء الموسيقي العام للقصيدة ، و هو بناء مطبوع بالمرونة والخضوع لحركة المشاعر و الأفكار .
7) على سبيل الختم
يتساءل الكاتب في النهاية عن إمكان إرجاع ظاهرة الغموض في الشعر إلى عامل الحداثة . و بعد تحليله لجواب شكري عياد عن هذا التساؤل و انتقاد رأيه ، يرد دارس ظاهرة الشعر الحديث الغموض في الشعر العربي الحديث إلى عامل الجودة الذي يتطلب ذوقا جديدا و جيدا مثلما حدث مع شعر أبي تمام و أشعار بعض المتصوفة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق