1)توضيح
اَلصُّورَةُ الشِّعْرِيَّةُ خَلْخَلَةٌ لِلْعَلَاقَاتِ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ مِنْ خِلَالِ اللَّعِبِ بِالْكَلِمَاتِ، وَهو اللَّعِبُ الذي يُطَوِّعُ اللُّغَةَ لِتَتَّسِعَ لِتَجْرِبَةِ الشَّاعِرِ الإنْسَانِيَّةِ، وَ تُصْبِح أَدَاتَهُ الْفَنِّيَّةَ وَ هَدَفَهُ الْجَمَالِيَّ .
2)اللعب المؤسس دلاليا
يَكُونُ اللَّعِبُ باللُّغَةِ فِي الشِّعْرِ مُؤَسَّسًا
عَلَى عَلَاقَاتٍ دَلَالِيَّةٍ وَ غيرعَشْوَائِي.
اَلْعَلَاقَةُ الْأُولَى: عَلَاقَةُ مُشَابَهَةٍ بَيْنَ طَرَفَيْ الصُّورَةِ، وَ تَتَجَسَّدُ هَذِهِ الْعَلَاقَةُ بَيَانِيّاً فِي التَّشْبِيهِ وَالْاسْتِعَارَةِ.
اَلْعَلَاقَةُ الثَّانِيَّةُ: عَلَاقَةُ مُجَاوَرَةٍ بَيْنَ طَرَفَيْ الصُّورَةِ، وَ تَتَمَثَّلُ بَيَانِيّاً فِي الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ وَالْكِنَايَةِ.
1.2)أَمْثِلَةُ عَلَاقَةِ الْمُشَابَهَةِ
اَلتَّشْبِيهُ :
يقول الشاعر محمود سامي البارودي مفتخرا بجودة شعره ، فيشبه تناغم إيقاعه بالحديقة الغناء ، وقوة كلمته و ضراوة معناها بزئير الأسد في الغابة :
كَالرَّوْضِ تَسْمَعُ مِنْهُ نَغْمَةَ بُلْبُلٍ /// وَ الْغِيلِ تَسْمَعُ مِنْهُ زَأْرَةَ ضَيْغَم
الْاسْتِعَارَةُ:
يعمد الشاعر جبران خليل جبران إلى الاستعارة في التعبير عن نشوة الذات في حضن الطبيعة ، في قصيدة المواكب ، فيقول:
هَلْ تَحَمَّمْتَ بِعِطْرٍ/// وَ تَنَشَّفْتَ بِنُورْ
وَ شَرِبْتَ الْفَجْرَ خَمْرًا/// فِي كُؤُوسٍ مِنْ أَثِيرْ؟
2.2)أَمْثِلَةُ عَلَاقَةِ الْمُجَاوَرَةِ
اَلْمَجَازُ الْمُرْسَلُ:
يعبر الشاعر عباس محمود العقاد عن تملك الحبيب قلبه ، فيستند إلى المجاز المرسل / علاقة الجزئية / في قصيدة الصدار قائلا:
نَسَجْتِهِ بِيَدَيْكِ/// عَلَى هُدَى نَاظِرَيْكِ
إِذَا احْتَوانِي فَإِنِّي/// مَا زِلْتُ فِي إِصْبَعَيكِ
الْكِنَايَةُ:
يصف الشاعر أبو القاسم الشابي الذات الشجاعة ، التواقة إلى الشموخ و السمو ، والنافرة من الذل و الانحطاط ، فيعمد إلى الكناية منشدا:
إذَا مَا طَمَحْتُ إِلَى غَايَةٍ/// رَكِبْتُ الْمُنَى، وَ نَسَيْتُ الْحَذَرْ
وَ لَمْ أَتَجَنَّبْ وُعُورَ الشِّعَابِ/// وَ لَا كُبَّةَ اللَّهَبِ الْمُسْتَعِرْ
وّ مَنْ لَا يُحِبُّ صُعُودَ الْجِبَالِ/// يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الْحُفَرْ
3)وَظَائِفُ الصُّورَةِ الشِّعْرِيَّةِ الْقَائِمَةِ عَلَى عَلاَقَةِ الْمُشَابَهَةِ
1.3) اَلتَّوْضِيحُ الْإِخْبَارِيُّ أَوْ التَّعْلِيمِيُّ ( مثال التشابيه و الاستعارات التي تكون في المقطع الشعري الختامي من النص الشعري ذي النفحة الحِكَميَّةِ(
2.3) اَلتَّغْرِيبُ: عِنْدَمَا يُشَبِّهُ الشَّاعِرُ ، عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ ، نَشْوَةَ الْحُبِّ بِسَكرَةِ الْمَوْتِ ، فَهَذا تَشْبِيهٌ بَيْنَ الْمُتَبَاعِدَيْنِ دَلَالِيّاً .
3.3) اَلْمُبَالَغَةُ فِي الْمَعْنَى وَ تَوْكِيدُهُ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ النَّابِغَة الذبياني :
فَإِنَّكَ شَمْسٌ وَ الْمُلُوكُ كَوَاكِبُ *** إِذَا طَلَعت لَمْ يَبْدُ مِنْهُنّ كَوْكَبُ
4.3) إِقْنَاعُ الْمُتَلَقي بَقَبُولِ الْفِكْرَةِ أَوْ رَفْضِهَا ، مِثْلَمَا جَاءَ عَلَى لِسَانِ مِيخَائيل نُعَيْمَة وَهُو يُبْطِلُ دَعْوَى إدْرَاكِ حَقِيقَةِ الْحَيَاةِ وَ الْوُصُولِ إِلَى كُنْهِهَا :
وَ مَا نَاشِدٌ أَسْرَارَهَا، وَ هْوُ كَشْفُهَا *** سِوَى مُشْتَرٍ بِالْمَاءِ حُرْقَةَ عَطْشَانِ.
5.3) اَلْامْتَاعُ وَ التَّزْيينُ : تَجَاوُزُ اللُّغَةِ التَّقْرِيرِيَّةِ الْمُبَاشِرَةِ وَ اسْتِخْدَامُ اللُّغَةِ الْإِيحَائِيَّةِ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ الْفِكْرَةِ الْعَادِيَّةِ ، كَقَوْلِ أَبِي الطَّيِّبِ الْمُتَنَبِّي يَصِفُ قَلَمًا أَسْوَدَ يَكْتُب فَوقَ سَطْحِ وَرَقَةٍ بَيْضَاءَ :
يَمُجُّ ظَلَامًا فِي نَهَارٍ لِسَانُهُ *** وَ يَفْهَمُ عَمَّنْ قَالَ مَا لَيْسَ يَسْمَع
4)وَظَائِفُ الصُّورَةِ الشعرية الْقَائِمَةِ عَلَى الْمُجَاوَرَةِ
1.4) اَلْإِيجَازُ وَ الْمُبَالغَةُ مَعَ الْمَجَازِ المُرْسَلِ خَاصَّة ، مِثْلَمَا جَاءَ عَلَى لِسَانِ الشَّاعِر مَحْمُود سَامِي الْبَارُودِي مُعْتَزّاً بِنَفْسِهِ :
خُلِقْتُ عَيُوفًا لَا أَرَى لِابْنِ حُرَّةٍ /// لَدَيَّ يَدًا أُغْضِي لَهَا حِينَ يَغْضَبُ
فَلَسْتُ لِأَمْرٍ لَمْ يَكُنْ مُتَوَقَّعًا /// وَ لَسْتُ عَلَى شَيْءٍ مَضَى أَتَعَتَّبُ
2.4) اَلْإِقْنَاعُ مَعَ الْكِنَايَةِ ، كما في قول شاعر القطرين، و هو يعبر عن انقضاء عهد الشباب والعنفوان، ونضوب قريحة الشعر مستندا إلى الكناية:
وَلَّى الرَّبِيعُ وَ جَفَّ عُو /// دِي وَ انْقَضَى عَهْدُ التَّغَنِّي
وَ عَدِمْتُ لَذَّاتِ الرُّؤَى /// وَ عَدِمْتُ لَذَّاتِ التَّمَنِّي
3.4) اَلْإِمْتَاعُ جَمَالِياً بِتَجَاوُزِ اللُّغَةِ التَّقْرِيرِيَّةِ ، مثلما جاء على لسان الشاعر خليل مطران، وهو يُلْقِي التحية على القدس و على من ينتسب إليه من أهل الديانات السماوية :
سَلَامٌ عَلَى الْقُدْسِ الشَّرِيفِ وَ مَنْ بِهِ /// عَلى جَامِعِ الْأَضْدَادِ فِي إِرْثِ حُبِّهِ
5) مَلْحُوظَةٌ
تَكُونُ اَلصُّورَةُ الشِّعْرِيَّةُ حِسّيَّةً مَادِّيةً جُزْئِيَّةً فِي الشِّعْرِ التَّقْلِيدِيِّ الْإِحْيَائِيِّ ، فِي حِين تَمِيلُ إِلَى التَّجْرِيدِ وَ الْخَيالِ وَ الْكُلِّيَّةِ فِي الشِّعْرِ التَّجْدِيدِي الذَّاتِيِّ . كَمَا أَنَّ الشَّاعِرَ الْإِحْيائِي يُكْثِرُ مِن التَّشْبيهَاتِ وَ الاسْتِعَارات بِدَافِعِ تَقْلِيدِ الْقُدَامَى ، بَيْنَمَا يزهد فِيها الشَّاعِرُ الذَّاتِيُّ بِغَرَضِ التَّجْدِيدِ ، وَ لَا يَسْتَخْدِمُهَا إِلا عِنْدَمَا تَعْجز اللغة عن التَّعْبِيرِ عَنْ تَجْرِبَتِهِ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق