مدون مهتم باللغة العربية و أدبها

الخميس، 29 يوليو 2021

اللص و الكلاب : قراءة تحليلية



 اللص و الكلاب : قراءة تحليلية 

    خطوات تحليل مؤلف اللص و الكلاب (1)

 

  📚تتبع الأحداث

1. تلخيص الأحداث الرئيسية و البارزة في فصول الرواية

2. إبراز الحبكة ، و ذلك بالكشف عن كيفية ترابط أحداث الرواية و تسلسلها ( تحديد الخطاطة السردية ) .

3. توضيح رهان الحكي في رواية اللص والكلاب ، من حيث المحتوى (القيم والأفكار المؤسسة للصراع بين شخصيات الرواية) ، ومن حيث الخطاب ( الكشف عن البعد الفني – الاتجاه الروائي الذي ينتمي له أسلوب السرد في اللص والكلاب ، و كذا عن البعد الجمالي المرتبط بالقراءة و القارئ ) .

4. رصد دلالات أحداث الرواية و أبعادها النفسية و الاجتماعية و الفلسفية.

    📚  تقويم القوى الفاعلة

1. جرد القوى الفاعلة وتصنيفها إلى شخصيات ، جمادات ،  مشاعر ، و قيم .

         2. تحديد البنية العاملية لهذه القوى  وإبراز وظائفها .

                                                                                          

   📚 الكشف عن البعد النفسي

   📚   إبراز البعد الاجتماعي 

 📚 رصد بنية المكان والزمان و تحديد طبيعة الحوار والوصف مع تبيان الدلالات و الوظائف

  📚  دراسة أسلوب السرد ولغته
 
 
🌹🌹🌸  المنجز 🌺🌺🌹

📌📂تتبع الأحداث
 
 1. تلخيص أحداث الروية                الجواب عن سؤال ماذا تروي الرواية؟ (تم إنجازه سابقا)

2. حبكة الأحداث                           الجواب عن سؤال كيف تروي الرواية ما ترويه من أحداث ؟

3. الرهان                                   الجواب عن سؤال لماذا تروي الرواية هذه الأحداث ؟ و بهذا الأسلوب السردي؟

4. دلالات و أبعاد الأحداث               الجواب عن سؤال ماذا تقصد الرواية من وراء سرد هذه الأحداث؟

 🌹📃 تلخيص أحداث الفصول الأربعة الأولى من رواية اللص و الكلاب
 

 

1. ملخص الفصل الأول :

بدأ الفصل الأول من رواية اللص و الكلاب بترك سعيد مهران السجن، حيث قضى به أربع سنوات بتهمة السرقة ، و ما إن غادر ما وراء القضبان حتى وجد نفسه يسلك الطريق إلى مسكنه السابق ؛ و قد تمكن ، بعد حضور المخبر من مفاوضة عليش ، على مرأى من الجيران ، بخصوص رؤية ابنته سناء و استرجاع ماله و كتبه . وانتهى هذا الفصل بإرغام سعيد مهران على مغادرة المنزل و معه بعض الكتب فقط .

2. ملخص الفصل الثاني :

بعدما خرج سعيد مهران مكرها من منزله شرع في وضع خطة لحياة ما بعد السجن . فكانت وجهته نحو طريق الجبل من أجل اللقاء بالشيخ علي الجنيدي ، الصديق القديم لوالده ، حيث استقبل هذا الأخير سعيد مهران ضيفا عنده . و أثناء الإقامة بكهف الشيخ قرر سعيد تنفيذ مخططه الانتقامي : الانتقام من الزوجة نبوية و التابع عليش سدرة الخائنين . ورغم إلحاح الشيخ و إصراره على ثني سعيد مهران عن هذا الفعل الجهنمي ، لم يستجب و ظل متمسكا بقراره.

3. ملخص الفصل الثالث :

حاول سعيد مهران ، في بداية هذا الفصل ، أن يتصل بصديق الدراسة رؤوف علوان ؛ إذ انتظره بمقر جريدة الزهرة دون أن يثمر هذا الانتظار  و ما صاحبه من استفسار للقيِّمين على المقر عن و قت قدوم رؤوف علوان أي لقاء . و سيتحقق الاتصال ليلا في قصر رؤوف علوان . و هو الاتصال الذي تخللته أحاديث مقتضبة باردة حول الماضي المشترك بينهما ، مع تلميح سعيد مهران إلى ما أصبح يتمتع به رؤوف علوان  من رفاه و غنى ، وهو تلميح جعل رؤوف علوان يتضايق و يجعل الاتصال الأول بسعيد هو اللقاء الأخير بدعوى كثرة الانشغالات ، فمنح سعيد بعض الجنيهات كوسيلة للتخلص منه .

4. ملخص الفصل الرابع :

حينما خرج سعيد مهران من منزل رؤوف علوان تحت جنح الليل  ولج عالمه الداخلي باسترجاع ماضيه المشترك مع الخونة : نبوية ، عليش ، و رؤوف علوان . الاسترجاع الذي قاده إلى اكتشاف أن هؤلاء هم من كان وراء خطة الزج به في غياهب السجن رغبة منهم في الاستيلاء على ماله و ولده بسهولة. كما دفعه استرجاع ما حدث إلى الاستغراب من سلوك صديقه و أستاذه علوان ، الذي تنكر لكل ما علمه من مبادئ ثورية . و بعد تخلصه شباك التذكر المرير قادته الرغبة المتأججة في الانتقام إلى منزل رؤوف علوان لكي يقوم بتصفيته جسديا ؛ غير أن الأستاذ أفشل خطة تلميذه ، و أخرجه ذليلا مهانا بعدما سحب منه المبلغ الزهيد الذي سبق أن منحه إياه ثم هدده بالسجن .

  🌹 📃 تلخيص الفصول الأربعة الثانية من رواية اللص و الكلاب


 

5. ملخص الفصل الخامس :

رغم اكتوائه بجمر خيانة الزوجة و التابع و الصديق _ الأستاذ، مازال لسعيد أناس الهامش الذين يكنون له الحب . لقد توجه نحو مكان هؤلاء الأصدقاء : مقهى طرزان ؛ هذا الأخير الذي استقبله بحفاوة ، ومكنه من الحصول على مسدس ، كما مهد له سبيل اللقاء بِنُور، التي فرحت بلقائه، و معها خطط سعيد مهران للاستيلاء على سيارة زبون ليلي .

6. ملخص الفصل السادس :

نفذت نور ما اتفقت عليه مع سعيد مهران ؛ إذ تمكنت من جر زبون ليلي _ زبون الدعارة _ إلى فخ سعيد مهران ، و هي تدعي البراءة و الخوف . و في الأخير استطاع سعيد مهران أن يسلب أحد أبناء الأغنياء سيارته بتعاون مع نور .

7. ملخص الفصل السابع :

بعدما تخلص سعيد مهران من نور و استقل السيارة بمفرده ، اتجه بكل فكره و حواسه نحو تنفيذ خطته الانتقامية ؛ فقام باقتحام بيت الغادر عليش و الخائنة نبوية، و أطلق نار مسدسه، و كله رغبة في أن تبقى نبوية على قيد الحياة لترعى صغيرته (سناء) . و لما نجح في تنفيذ خطته، كما اعتقد واهما، لاذ سعيد مهران بالفرار بعيدا عن مسرح جريمته الشنعاء.

8. ملخص الفصل الثامن :

هروبا من أعين الشرطة ، لجأ سعيد مهران إلى كهف الشيخ علي الجنيدي فجرا ؛ حيث استسلم للنوم إلى وقت العصر ليستيقظ على خبر نشر بالجريدة يفيد أنه قتل برصاص مسدسه رجلا بريئا، يدعى رجب شعبان ، و أخطأ هدفه : عليش سدرة ، مما اضطره إلى الاعتصام بطريق الجبل بعيدا عن أعين الشرطة.التي تبحث عنه .

 

  🌹 📃 تلخيص الفصول الأربعة الثالثة من رواية اللص و الكلاب

 

9. ملخص الفصل التاسع :

اِنسل خفية إلى منزل نور بعدما تجرع سعيد مهران مرارة الفشل: فشل خطته الأولى، ثم شرع في إعداد خطة جديدة، وقد راقه ترحيب نور به في بيتها .

10. ملخص الفصل العاشر :

يبدأ الفصل باستعادة سعيد مهران ، في حضن الوحدة ، ذكرياته مع الزوجة نبوية و البريئة سناء ، و كذا نبوية و عليش. و يتوقف عن الاسترجاع حينما تعود نور إلى المنزل/ المخبإ حاملة السار ، الطعام ، و الضار ، ما تنشره الجرائد من أخبار مبالغ فيها حول جريمة سعيد مهران ، إذ تجعله سفاك دماء، كما يسوق لذلك رؤوف علوان . و مع ذلك يصر سعيد على تنفيذ خطته الانتقامية ، فيطلب من نور أن تزوده بقماش ليخيط منه بدلة ضابط للإقدام محاولة انتقام أخرى .

11. ملخص الفصل الحادي عشر :

يغرق سعيد هذه المرة ، بعد خروج نور و مغادرتها للمنزل / المخبإ ، في استرجاع الماضي الفردي البعيد ، ذكريات الطفولة و ما صاحبها من فقر و تربية تقليدية / دينية ، و كيف تحول من تربة التقليد إلى تربة التمرد لما أعجب برؤوف علوان ، هذا الأخير الذي برر له فعل السرقة بمبرر استعادة حق الفقراء من الأغنياء الجشعين . و ينقطع شريط التذكر حينما تعود نور معنفة من زبناء اللحم البشري ، حيث يشرع سعيد في مواساتها و دعمها نفسيا .

12. ملخص الفصل الثاني عشر :

ينهي سعيد خياطة بذلة الضابط بوصفها وسيلته الجديدة لمحاولة انتقامية تالية ، و تلوح بوادر الخوف و الدعوة إلى الحذر في صفوف الداعمين لسعيد مهران ، إذ أبدت نور خوفها الشديد على مصير مهران وسط جو تحريضي تؤجج نيرانه صحافة علوان ، كما حذر طرزان سعيد من عيون الشرطة التي تتعقب أثره في المقهى و محيطها .

 

   🌹 📃تلخيص أحداث الفصول الستة الأخيرة من رواية اللص و الكلاب 

 

 

13. ملخص الفصل الثالث عشر:

استفرد سعيد مهران بالمعلم بياضة ليستنطقه تحت التهديد من أجل الظفر منه بخبر عن المكان الذي يوجد به عليش ، ثم أخلى سبيله حينما لم يجد ما كان يبتغي الوصول إليه . و اتجه تفكيره إلى موضوع الانتقام الثاني بعدما فشل في العثور على الموضوع الأول : عليش ، لقد صوب سلاح الانتقام هذه المرة نحو رؤوف علوان .

14. ملخص الفصل الرابع عشر:

تسلل سعيد مهران إلى محيط مسكن رؤوف علوان متنكرا في بذلة ضابط ، و انتظر عودته ، فما إن نزل من سيارته حتى أمطره بوابل من نار مسدسه ، و شرع في تبادل إطلاق النار مع الشرطة ليلوذ بالفرار في النهاية . ثم ينتشر خبر تعرض رؤوف علوان لمحاولة اغتيال فاشلة عبر الصحف والجرائد ، و هو الخبر الذي زاد من مخاوف نور على مصير سعيد .

15. ملخص الفصل الخامس عشر:

تجرع سعيد مهران مرارة الفشل مرة ثانية حين انتهى إلى علمه خبر مقتل البواب البريء و نجاة رؤوف علوان العدو . و رغم ذلك ألح على إعادة المحاولة مهما كان ثمنها باهضا .

16. ملخص الفصل السادس عشر:

تلوح البوادر الأولى لوقوف القدر ضد خطة مهران ، و ينبثق المعيق ، هذه المرة من الداخل لا من الخارج ، و يتجسد في غياب نور المفاجئ ، دون علم أو سابق إخبار ، عن البيت . فيلجأ مهران إلى طرزان الذي يزوده بالطعام و الأخبار التحذيرية .

17. ملخص الفصل السابع عشر:

تزداد حدة معاكسة القدر لخطة سعيد و مصيره بقدوم صاحبة البيت / المخبإ مهددة نور _ في غيابها _ بالإفراغ ، لينصب تفكير سعيد على الفرار من البيت الذي أصبح يشكل لغما و خطرا عليه . فيتوجه نحو طريق الجبل ليقيم مؤقتا عند الشيخ علي الجنيدي .

18. ملخص الفصل الثامن عشر:

يستيقظ سعيد من النوم الذي غزاه بكوابيسه ، فيجد نفسه محاصرا من قبل الشرطة ، و كمحاولة أخيرة للنجاة يفر إلى المقبرة ، فتطوقه الشرطة و الكلاب ، و يقاوم و يطلق الرصاص ، و يتلقى الرصاصة التي تنهي حياته على ذكرى سناء بين القبور .

 

    

📙المنجز📗

2. حبكة الأحداث (الجواب عن سؤال كيف تروي الرواية ما ترويه من أحداث؟ )

         

 

   لم ترو أحداث رواية اللص و الكلاب وفق منطق السرد الروائي التقليدي، القائم على التسلسل المنطقي في جريان الأحداث، و إنما كان سيرها و سردها موجهين برغبات شخصية سعيد مهران  و ما لها من خطط و ميولات ، كل هذا جعله الشخصية التي تمثل  بوصلة السرد المتشعب . ذلك أن سرد أحداث اللص و الكلاب تميز بالتناوب بين سرد أحداث مصارعة سعيد مهران للخونة تارة ، و بين رصد ما يعانيه من خوف و ترقب للشرطة التي كانت تتعقبه تارة أخرى ، وأحيانا كان ينتقل السرد إلى سبر أغوار ذات مهران و هو يناجيها يستعيد أحداث الماضي في بيت نور/ المخبإ ، أو عند الشيخ علي الجنيدي يرمم انكساراتها . كما كان السرد أحيانا يبرز ما يجري من أفعال تنم عن إنسانية لص  نجيب محفوظ ، كأن يواسي و يشد عضد نور و هي عائدة من الشارع معنفة ، أو يطمئن أصدقاء الهامش على مصيره و هو عالق في شباك الانتقام .

   و تأسيسا على ما سبق نحدد الخطاطة السردية التي انتظمت وفقها أحداث رواية اللص والكلاب وترابطت كما يأتي:

 وضعية البداية تغطي الفصول الأربعة الأولى من الرواية، و قد تميزت بالحركية ،على خلاف بداية الرواية التقليدية التي يطبعها الثبات، ذلك أن سعيد مهران تلقى الصفعات المتتالية من أيادي المحيط و المقربين فور خروجه من السجن انطلاقا من الفصل الأول . ثم شكل الحوار البارد بينه و بين رؤوف علوان  عنصر اختلال التوازن في نهاية الفصل الرابع ، و تبدأ وضعية الوسط ، حيث سيخوض سعيد مهران صراعا شرسا تغذيه رغبة الانتقام  من الخونة ( عليش و رؤوف علوان ) و الخوف من السقوط في قبضة الشرطة ، و قد امتدت هذه الوضعية عبر عشرة فصول  ، أي من الفصل الخامس إلى الفصل الرابع عشر ، و في هذه الوضعية ستتضح ملامح الشخصيات و ميولاتها و ما تتبناه من قيم و مواقف تجاه ذاتها من جهة ، و تجاه محيطها الاجتماعي من جهة أخرى . و يشكل غياب نور المفاجئ مؤشرا على نهاية الصراع بين اللص (سعيد) و الكلاب (خصومه )، و تكون النهاية بموت سعيد برصاص الشرطة و هو محاصر داخل المقبرة من قبل الكلاب بعدما قاوم مقاومة شرسة.

 

 

 3. الرهان (الجواب عن سؤال لماذا تروي الرواية هذه الأحداث ؟ و بهذا الأسلوب السردي ؟                       

 

راهن مؤلف رواية اللص و الكلاب ، من حيث المضمون ، على رصد الاختلالات التي عرفها المجتمع المصري بعد ثورة 1952 ، و تصوير  ما أفرزه الصراع بين أنصار الثورة و خصومها من قيم متضاربة و متناقضة تتركز في  الوفاء مقابل الخيانة و ما يتفرع عن هذه الثنائية من قيم مثل التطلع إلى العدالة الاجتماعية ، و الرغبة في الحرية و سيادة الديمقراطية مقابل التنكر لمبادئ الثورة والوصولية و الانتهازية . كل هذا جعل الحلم بجني نتائج الثورة يتبخر و تعود السطوة من جديد لأعدائها الذين يقدمون المنفعة الخاصة على المنفعة العامة . و عليه جعل الروائي نجيب محفوظ الرواية تؤدي دورها في ردم الهوة بين الواقع و الممكن ، و ذلك من خلال تشخيصها لواقع الأزمة رغبة من المؤلف في تجازوه إلى واقع الممكن  ، بعد تصحيح الأخطاء المرتكبة خلال الممارسة .

وعلى مستوى المبنى، فقد استند الكاتب نجيب محفوظ إلى الواقعية الجديدة النقدية و جعلها أسلوبا روائيا يناسب المضامين و المواقف النقدية التي عبرت عنها رواية اللص و الكلاب بالنسبة لواقع ما بعد الثورة المصرية سنة 1952 ، وهذا الأسلوب الجديد يتجلى في استخدام الرمز و الحلم كشكلين جديدين في السرد، رغبة و نزوعا نحو تكوين حساسية جديدة و تطوير جمالية الرواية العربية .

 

 

 

 4. دلالات و أبعاد الأحداث ( الجواب عن سؤال ماذا تقصد الرواية من وراء سرد هذه الأحداث؟)

 

 

   من بين الدلالات التي يمكن أن نسخلصها من أحداث رواية اللص و الكلام ما يمكن أن يترتب عن الاندفاع في اتخاذ بعض القرارات المصيرية بالنسبة للفرد و للمجتمع من أخطاء جسيمة قد تتحول إلى أمراض اجتماعية مزمنة . إن اندفاع الشاب المثقف سعيد مهران و عدم تبصره بخصوص مألات الثورة جعله يسقط في فخ الوصوليين ( رؤوف علوان / الزوجة / عليش سدرة ) ، و يضيق أفقه الواسع الذي كان هو الثورة من أجل تغيير حال المجتمع المصري ( 1952) ، و ينحصر في الانتقام ممن دبروا له مكيدة الزج به في السجن . كما أن الثقة العمياء و غياب الوعي النقدي حال دون نجاح الأفكار الثورية التي تلقفها سعيد من حضن الجامعة من قبل علوان . و الرواية تشير إلى أن الإنسان في شخص سعيد مهران محكوم عليه أن يصارع القدر و كأنه سيزيف و يخضع له ، حيث توجد أمور ممكنة في مستقبل الإنسان لا يدركها مهما خطط و دبر ، و هذا ما يتجسد في فشل مخططات الانتقام التي دبرها سعيد من أجل تصفية الخونة ، ذلك أن رصاص مسدسه كان يصيب دائما الأبرياء و يخطئ الهدف . أحداث رواية اللص و الكلاب تعري الواقع الاجتماعي و النفسي للإنسان العربي و المصري في ستينات القرن العشرين ، وما عاناه من آلام و خيبات بعد العجز عن الانعتاق من ربقة الفساد بكل تجلياته بسبب الخيانة ، خيانة المبادئ . و يبقى الوفاء في الهامش و ما ينطوي عليه من تناقضات ( الجمع بين الممنوع و المدنس و المقدس ) [ تهريب الأسلحة = طرزان / بيع الهوى = نور/ اعتزال الواقع الأرضي و الارتباط بالسماء = الشيخ الجنيدي ] . إن الانكسار أمام الخيانة قاد سعيد مهران إلى البحث عن الدواء لانكساره و الخلاص من  كابوس الفشل ، فوجد ملاذه المؤقت  في مقهى المعلم طرزان ، و مخبإ نور ، وكهف الشيخ علي الجنيدي .

 

    
تقويم القوى الفاعلة برواية اللص والكلاب📁📜📐

🌼🌼خطوات الإنجاز🌼🌼

 

1.   جرد القوى الفاعلة: الجواب عن سؤال ( ما القوى الفاعلة التي تحرك أحداث الرواية وأنواعها ؟)

2.تقويم القوى الفاعلة:الجواب عن سؤال ( ما سمات و مميزات القوى الفاعلة التي تجعلها تسهم في تطور الأحداث و نموها ؟

3.   الكشف عن البنية العاملية للقوى الفاعلة :الجواب عن سؤال ( كيف تنتظم القوى الفاعلة في شبكة الصراع داخل الرواية ؟ )

 

🌷🌷المنجز 🌷🌷

1.   جرد القوى الفاعلة:

 

لابد للأحداث من قُوى فاعلة تؤثر في تحريكها و تناميها و تأزيمها ، و في رواية اللص و الكلاب تنوعت القُوى الفاعلة بين: 

القيم و المشاعر: الحب و الخيانة مثلا.

الجمادات : المسدس ، السيارة ، الجريدة ...

الشخصيات : سعيد مهران مدار الصراع في الرواية مع الشخصيات الآتية : الزوجة نبوية ، عليش سدرة ، و رؤوف علوان .

و قد ساعد و مد يد العون لشخصية سعيد مهران في هذا الصراع الشخصيات الآتية : الشيخ علي الجنيدي ، طرزان ، و نور . و هناك شخصيات أخرى مثل سناء ، رجب شعبان ، صبي القهوة ، و ابن أحد الأغنياء ، غير أنها تبقى شخصيات عابرة في الرواية .

 

 2.تقويم القوى الفاعلة:

 🌻شعور الحب: هو شعور و إحساس إنساني نبيل يجمع بين قلبين و أكثر، وضده الكراهية . غير أن هذا الشعور لم يجمع بين قلبي سعيد مهران وزوجته نبوية، مما أدى إلى اختلال توازن مؤسسة الزواج و تحولها من مؤسسة للالتزام و السكينة و الوفاء إلى وكر للخيانة والتآمر و الصراع .
و بهذا ، يكون شعور الحب قد ساهم في تأزيم أحداث الرواية، من جهة الزوجة ، و ساعد شخصية سعيد مهران أثناء صراعه مع الخونة والتخطيط للانتقام منهم ، من جهة الحبيبة نور ( حبيبة الكل !) . و عليه ساهم هذا الشعور في قلب القيم و تأزيمها

 🌻قيمة الخيانة: هي قيمة إنسانية منحطة و دونية باعتبارها انتهاكا و خرقا للثقة والوفاء و تقويضا للأمانة، و ضدها الوفاء. و قد ساهمت هذه القيمة في تحريك أحداث رواية اللص و الكلاب و تأجيج الصراع بين الشخصيات؛ ذلك أن المخطط الانتقامي ، الذي أعده سعيد مهران ، ليس سوى هو ثمرة الخيانة المضاعفة التي تعرض لها : خيانة الزوجة و التابع بالتآمر مع الصديق و الأستاذ رؤوف علوان ، الذي تنكر، هو الآخر، بعدما علم سعيد المبادئ الثورية . و هو تآمر من أجل الزج بمهران في السجن و الاستيلاء على ماله و ولده . غير أن هذه الخيانة قد قابلها وفاء أصدقاء الهامش : وفاء لسعيد مهران من قبل الشيخ و طرزان و نور . و هذا التقابل المبني على قلب القيم: اللص ( وفي ) و الكلاب ( خائنة) أزم الأحداث والعلاقة بين الشخصيات في الرواية.

 🌻المسدس: هو سلاح ناري يستخدم، بشكل مشروع، من قبل الشرطة، أوبترخيص استثنائي في بعض الحالات. و قد حصل عليه سعيد مهران بشكل غير مشروع، و استخدمه في تصفية أعدائه الخونة. و قد كان للمسدس دور فعال في تحريك أحداث رواية اللص و الكلاب و جعل الصراع بين شخصياتها يتسم بالطابع المأساوي. و يتجلى هذا بوضوح في الطلقات النارية التي أصابت الأبرياء بدل الخونة الأعداء، مما ضاعف إصرار سعيد مهران على مواصلة إطلاق النار، و هو محاصر من قبل الشرطة بين القبور.

 🌻السيارة: هي وسيلة نقل يستخدمها مالكها في قهر مسافات تنقله اعتمادا على السرعة، غير أنه في الرواية قد استخدمت، بعد سلبها من مالكها ( ابن أحد الأغنياء)، في تنفيذ أول عملية قتل على يد سعيد مهران. و بهذا، ساهمت السيارة في قدح جذوة الصراع بين سعيد مهران و خصومه، و مهدت الطريق لمطاردته من قبل الشرطة.

 🌻الجريدة: هي وسيلة من وسائل نقل الخبر و المعلومة بشكل حيادي لتنوير الرأي العام، و بها تعد الصحافة سلطة رابعة. لكن جريدة الزهرة في الرواية انتصرت لرؤوف علوان ( مديرها) ، و قامت بتحريض وتأليب الشرطة على سعيد مهران .

 🌻سعيد مهران : يُقرأ اسم العلم ، حرفيا ، في علاقته بمسماه ، وتعتبر العلاقة بين الاسم و المسمى علاقة اعتباطية ( غير مبررة) ، سمي هذا الشخص سعيد مهران بهذا الاسم لأن والديه سمياه سعيد مهران و كفى. غير أن هذه القراءة الحرفية لا تستقيم مع أسماء شخصيات رواية اللص و الكلاب ؛ ذلك أن الأمر يخص عملا فنيا له لغة ثانية ، تتسم بالتعدد الدلالي و القيمي ، و يهدف هذا العمل إلى التركيز على الفكرة و القيمة و الموقف بدل الاقتصار على وصف الشخصيات و سرد الوقائع ؛ وعليه ، إن علاقة أسماء الأعلام بمسمياتها في اللص و الكلاب، ليست علاقة اعتباطية و إنما هي علاقة قصدية. فسعيد صفة تحيل على السعادة والمرح ، في الواقع ، غير أنها تحيل ، في عالم الرواية ، على واقع نقيض ، شخصية تشكل مدار أحداث الرواية المأساوية ، حيث لا يوجد أي مؤشر يدل على أنها شخصية تتمتع فعلا بالسعادة، بل العكس هو الصحيح. ذلك أن سعيد مهران نشأ في وسط اجتماعي فقير ، و تميز تكوينه العلمي بالهجنة؛ فجمع بين تكوين الطفولة التقليدي القائم على التعليم الديني ، و بين التعليم المعاصر الذي تلقاه بعد التحاقه متأخرا بالجامعة ، وكان جوهر هذا التكوين ، كما علمه رؤوف علوان ، أن الثروة للجميع ، و عليه ، فالفقير حينما يسرق لا يعد لصا لأنه يقوم باسترجاع حق له كان مسلوبا.
إذن سعيد يحيل على النقيض، أي الشقي بانتمائه الاجتماعي ، و بتكوينه العلمي و سيزداد شقاؤه بعلاقته الاجتماعية الآتية : علاقته الزوجية بنبوية ، علاقة الصداقة برؤوف علوان ، ثم علاقة الأستاذية في مهارة السرقة بعليش سدرة ، و لذا وردت صفة ماهر بصيغة المبالغة مهران لتدل على أمرين اثنين، بالنسبة لشخصية سعيد ، أولهما السخرية من مهارة سلبية كمهارة اللصوصية و السرقة ، وثانيهما : النقد ، نقد سذاجة سعيد التي جعلته ضحية و فائه، وفاء في غير محله ، فضلا عن الوفاء الأعمى ، فشخصية مهران اندفاعية، و يتجلى اندفاعها في سرعة
فشل خططها ، رغم توفر كل العوامل المساعدة لنجاحها ( حب ، مسدس ، السيارة ، المأوى ، طرزان ، نور ، والشيخ ) . كما تتسم هذه الشخصية بالتردد إلى حد التناقض ، وهو صفة بارزة في شخصية مهران ، بداية من تكوينه ( ديني / ثوري) مرورا بعلاقاته الاجتماعية ( صداقة الشيخ الزاهد / صداقة نور بائعة الهوى ) و وصولا إلى اللجوء و الاحتماء بالدين لحظة الانجراف نحو هاوية الدنيا : القتل بغرض الانتقام .

إذن شخصية سعيد مهران تجسد شخصية اللص الوفي المتردد الاندفاعي و الساذج ، وهي الشخصية التي سيكون لها تأثير ، بهذه الصفات التي تتسم بها ، على سيرورة أحداث الرواية و على طبيعة العلاقة التي تربطها بشخصيات الأخرى . إنها شخصية إشكالية تصارع القدر و لا تستسلم له و هي على حافة الموت.

📑📑 الكلاب ( كما جاء على لسان سعيد مهران و هو يصارع قدره في نهاية الرواية ):

 🌻رؤوف علوان: شخصية لها دلالات مفارقة ، الاسم الأول [رؤوف] من الرأفة ، كان في البداية طالبا جامعيا يتبنى الفكر الثوري ، و يصدح به في الوسط الجامعي ، و قد تبنى سعيد مهران أفكاره . غير أن أفكاره سرعان ما تغيرت بتغير وضعه الاجتماعي و الاقتصادي، فأصبح مدير جريدة الزهرة. و من أجل التسلق الاجتماعي تنكر لسعيد مهران ، ورماه في السجن ، بتحالف مع زوجته نبوية ، وتابعه عليش سدرة . إذن اسم رؤوف يحيل على ضده [ القاسي ]، كما ورد علوان ، من باب السخرية و النقد ، على وزن [ فعلان] ، و هي سخرية أدبية من شخصية كانت تتبنى القيم الإنسانية السامية و تأخذها الرأفة تجاه حال الفقراء ، و نقد لحاضر شخصية علوان ، الشخصية الانتهازية التي كفرت بمبادئ الثورة مقابل التسلق الاجتماعي [ العلو ] . رؤوف علوان لن يكون سوى شخصية انتهازية وصولية ينخرها الحقد الطبقي تجاه شخصية سعيد مهران ، حيث تم تسخير كل وسائله الاعلامية / الجرائد التي يملكها / لتأليب الرأي الام و الشرطة على رفيق الأمس .

 🌻نبوية و عليش سدرة : إن الشخصية الأولى زوجة سعيد مهران ، و اسمها مفارق لمعناه المرجعي [ من النبوة ] ، النبوة التي تعني العصمة و الصبر و الوفاء ، لكن هذه الشخصية تتسم بالكذب و الخيانة و التآمر مع رؤوف علوان لإسقاط زوجها في فخ الشرطة و الزج به في السجن بتهمة اللصوصية . و هي المؤامرة التي شارك فيها عليش سدرة ، التابع [ تلميذ سعيد مهران ] ، و ذلك بهدف الزواج بنبوية و الاستيلاء على مال سعيد و ولده .

 

📖📖أوفياء الهامش ( الشيخ علي الجنيدي ، نور ، طرزان )

 خلافا للكلاب الغادرة التي نهشت ماضي سعيد مهران و تآمرت على حاضره ومستقبله، ساعدته زمرة من أصدقاء  الهامش، و ساعدته في صراعه ضد الكلاب . و هذه الشخصيات كالآتي :

 🌻الشيخ علي الجنيدي : صديق الأب القديم و ملجأ سعيد بعد كل محطة فشل أو شعور بالخطر ، زاهد في حقه الدنيوي ، راغبا في الحق السماوي ، هائم و غير متفق مع خطط سعيد مهران ، حيث يحضه على الاستسلام للقدر بدل الانتقام .

 🌻نور: بنت جيران سعيد مهران ، أحبته منذ الصغر ، لم يبادلها حينذاك الشعور نفسه ، تمتهن الدعارة ، و تشكل السند و الدعم القويين لسعيد، فتوفر له المسكن و الطعام و كل الأدوات التي يحتاجها لتنفيذ خططه الانتقامية ، فضلا عن خوفها على مستقبله .

🌻طرزان: صاحب مقهى يرتادها سعيد مهران ، بائع الممنوعات ، عين سعيد  التي تخبره بتحركات الشرطة و هي تتعقبه ، داعم و مساند لسعيد مهران في صراعه ضد الكلاب الغادرة .

3.   الكشف عن البنية العاملية للقوى الفاعلة:

تنتظم القوى الفاعلة التي تحرك أحداث رواية اللص و الكلاب و فق البنية العاملية الآتية: 

على مستوى محور الرغبة يتطلع العامل الذات [ سعيد مهران ] إلى تحقيق اتصال بالعامل الموضوع [ الانتقام من الخونة ] ، و على مستوى محور الصراع تساعده العوامل المساعدة الآتية في تنفيذ خطط الانتقام :[ جمادات : سيارة ، مسدس ، بدلة .. أحاسيس : حقد .. و شخصيات : نور / الشيخ / طرزان ] و تكبح نجاح خططه العوامل المعيقة الآتية [ القدر / الشرطة/ الصحافة / الاندفاع ..] ، أما على مستوى التواصل فالعامل المرسل و الدافع الأساس إلى الانتقام فيتجسد في الخيانة ، أما العامل المرسل إليه المستفيد من الانتقام فيتجسد في رد الاعتبار إلى الذات و إلى المجتمع الذي سرقت منه أحلام التغيير من قبل الوصوليين أمثال رؤوف علوان .

 ❎✅الكشف عن البعد النفسي برواية اللص و الكلاب
إن الأعمال الروائية العظيمة استطاعت أن تخترق ردهات الذات و أغوارها المظلمة ، بداية من أعمال الروائي الروسي فيودور دوستويفسكي التي ألهمت المنظرين و المحللين في علم النفس ، و صولا إلى أعمال فرانز كافكا خصوصا ، في عمليه الروائين التحول ، و المحاكمة . فكما أن الرواية استطاعت أن تبرز ما تموج به المجتمعات من مشاكل و تناقضات إلى حد التوتر و التأزيم ، فقد كانت لها القدرة على أن تكشف عما تتلجلج به ذات الفرد من آمال و وتطلعات و أحلام . و هذا ما نجحت فيه رواية اللص و الكلاب ، إذ نجح نجيب محفوظ بأسلوب السرد القائم على الرمز و الحلم، أن يبرز ، فنيا ، كيف تحولت أحلام الإنسان / الفرد العربي عامة و المصري خاصة ، بعد ثورة 1952 ، و آماله و تطلعاته إلى كوابيس و آلام و انكسارات ، كما تجلى هذا مع شخصية سعيد مهران ، عبر المسار السردي لرواية اللص و الكلاب . فتحول من حالم بالتغيير ، إيمانا بمبادئ الاشتراكية ، و متطلع إلى عدالة اجتماعية تحقق مبدأ المساواة إلى لص ، و مجرم يقتل الأبرياء بدل الخونة من أجل الانتقام . هذه الغريزة الإنسانية التي إذا استبدت بالفرد خربته و حولته إلى كائن أجوف لما يترتب عنها من انحرافات سلوكية رصدتها رواية اللص و الكلاب بدقة ،  و تجلت في نزوع سعيد مهران إلى الهروب من واقعه الاجتماعي و عدم إثبات ذاته بعد إخفاقه في تصحيح مسار انتهى به إلى السجن . إن مصدر الانحراف الفردي في اللص و الكلاب هو الإيمان الأعمى و [غياب اللايقين / سيادة اليقين ] ، و هو ما جعل الشخصية المحورية في النص تعاني وجدانيا منذ البداية ، شخصية تعيش بين الكتب ، بعدما ثارت على تربية دينية أقرب إلى الطُّرقية، شخصية لا تقرأ الواقع لتجد لها موقعا فيه بالإيحاب ، و بالتالي تسقط في فخ الانتهازيين و الخونة ، و تؤمن بلا رد الاعتبار للذات أو الميولات الفردية . فتبدأ محنتها منذ الخروج من السجن ْ [رمز الدوغمائية و الانغلاق على الذات] . وذلك مرده إلى الانخداع بالعيش في عالم الكتب الذي يغري بعالم الشعارات ، شعار السرقة تعيد توزيع الثروة ، و بالتالي فهي أمر مشروع . فيصوغ عالم المثال أفكار منحرفة و زائفة لتنعكس على شخصية سعيد مهران ، الذي لم يستطع الخروج من شرنقة ذاته و يصحح أخطاءه ، و بالتالي لم يتخلص من رواسب الماضي ؛ بل واصل معاكسة الواقع ، و استمر في العودة إلى الماضي لاجترار مأساة الخيانة و الغدر . مأساة واجهها بمأساة أخرى زادت من تمزيق ذاته و وسعت مجال انكساراتها : الانتقام الفاشل تلو الانتقام ، مما جعل نفسية البطل تترنح في مكانها و تعمق جراحها إلى حد اللجوء إلى النقيض : من الإنسان الثوري إلى الإنسان الروحاني الديني .

❎✅ إبراز البعد الاجتماعي برواية اللص و الكلاب

🌼🌼توطئة 

   لا شك أن الأدب له علاقة وطيدة بالبيئة الاجتماعية التي تنتجه ، ذلك أنه يعبر عن الوعي الجماعي لمجتمع الأديب دون أن يفقد أدبيته من خلال ردم الهُوة و الشرخ العميقين بين الواقع والمثال . والرواية  بصفة عامة ورواية اللص و الكلاب خصوصا تطَّلِع بهذا الدور بشكل فني ، حيث استطاع نجيب محفوظ بأسلوبه الروائي المرتكز على الرمز و الأحلام و الكوابيس أن ينخرط في الإشارة ، دون القول الواضح ، إلى ما عرفه المجتمع المصري ، بعد مرور ما يقارب عقد من الزمن على الثورة الناصرية، من تغيير سلبي و ارتكاس و خيبة أمل الحالمين بالثورة أمام هيمنة الوصولية و التسلق الاجتماعي . غير أنه ينبغي التنبيه إلى أن اللص و الكلاب في تتبعها للواقع الاجتماعي المصري بعد الثورة الناصرية تختلف عن الدراسة بكون هذه الأخيرة تكتفي بعرض الوقائع، بينما تجعلنا الرواية نلمس آثار هذه الوقائع و نتائجها كحقيقة حية. كما تتميز عن المنشور السياسي بكونها لا تهتم باليومي و العادي إلا باعتباره استثنائيا. وذلك من خلال الغوص في ثنايا المجتمع المصري ما قبل ( 1961) ، بتشريح طبيعة العلاقات الاجتماعية بين شخصياتها لتقوم بعرض جميل و فني لأمراض المجتمع و اختلالاته المتنوعة ، و تقول ضمنيا إن وضعا اجتماعيا مختلا مثل هذا لا ينيغي أن يدوم ، و عليه ينبغي الاستدراك قبل فوات الأوان . فما هي الدلالات الاجتماعية التي أشارت إليها رواية اللص و الكلاب من خلال سردها  فنيا لمجموعة من الاختلالات الاجتماعية ؟

📖📖📒الدلالات الاجتماعية لرواية اللص و الكلاب

    رواية اللص و الكلاب لنجيب محفوظ تقول ما لا يقال اجتماعيا، و ذلك بتركيزها على الهامش في صراعه مع المركز . فقد قامت هذه الرواية على شخصية مركزية : سعيد مهران نموذج و مثال الفئة الاجتماعية الهجينة التي تخوض صراعها اجتماعيا بين فئة المسحوقين( نور ، طرزان) وفئة الأثرياء ( رؤوف علوان ) . و باستنادها على الرمز اختارت الرواية أن تعبر عن ماهية المجتمع بعد الثورة الناصرية( نسبة إلى جمال عبد الناصر )، و تبرز بوضوح مكامن الخلل الاجتماعي، و توجه سهام النقد ضمنيا إلى نتائج هذه الثورة التي ترتبت عنها آثار سلبية على المجتمع المصري( قبل 1961).

إن شخصية سعيد مهران ، رمز الوفاء لمبادئ الثورة و مثال للنموذج الاجتماعي الاشتراكي ، تعكس بجلاء ما عرفه المجتمع المصري بعد الثورة ( بعد عقد من الزمن تقريبا ) من فساد مادي و معنوي : انتشار الانتهازية والوصولية ( ماديا ) باعتبارها أمراضا تنخر المجتمع و تكرس التفاوت الطبقي الفادح ، و يتمثل هذا النموذج الاجتماعي الانتهازي و الوصولي في شخصية رؤوف علوان ، شخصية أصبح هدفها التسلق الاجتماعي بعدما كانت مثال الثورة  و صوت الدعوة إلى المساواة في توزيع الثروة . و عن هذا التسلق الاجتماعي ، ترتبت أضرار و أمراض اجتماعية وسعت حيز الهامش أكثر ، مثال نور و طرزان ، إذ دفعت العطالة و غياب الشغل شخصية نور إلى عرض جسدها للبيع و جعلت طرزان يتاجر في المحظور و الممنوع .

     إن هذا التفتت الاجتماعي الذي ترصده رواية اللص و الكلاب لم يتوقف عند حدود الاقتصادي فقط و إنما شمل ما هو أخلاقي _ قيمي ؛ ذلك أن مجتمع اللص و الكلاب انحاز إلى التحالفات المبنية على المصالح الشخصية ، وتخلص مما للقيم من دور أساس و فعال في صون لحمة المجتمع . فبالتخلي عن الوفاء و تغييبه من مؤسسات المجتمع ، مثل الحزب أو التنظيم السياسي بصفة عامة مع رؤوف علوان ، و كذا من مؤسسة الزواج مع نبوية ، تفككت أواصر هذا المجتمع و غاب القانون المنظم لكل مناحي الحياة الاجتماعية. و شرعت سوسة التآمر و الخيانة في نخره و تخريبه، بداية من إرسال الأوفياء لمبادئ الثورة إلى السجون ( نموذج سعيد مهران ) و تضييق مجال حرياتهم بعد مغادرة ما وراء القضبان . و كان هذا التكبيل و التقييد للمواطن المصري الثوري بغرض التخلص منه و من قيم الوفاء و النضال و الثورة ، حيث تم طرد سعيد مهران من منزله و سلب بنته سناء ، بارقة الأمل التي لم تعرف من هو والدها ! . و هذا يدل على تجاهل الثورة و أكلها لأبنائها لأنها كانت ثورة ناقصة تعاني اختلالات من حيث المنطلق ، فسناء مثلا هي ثمرة زواج مبني على المصالح الضيقة لا على الحب ، إذ لم تصمد الزوجة نبوية أمام الإغراءات المادية . و بعد تضييق مجال الحرية و سلبه ماله و ولده ، شرعت السلطة الرابعة ( الصحافة ) التي يملكها و يديرها أعداء الثورة( رؤوف علوان ) في تأليب السلطة / الدولة و تحريضها على مطاردة الوفي لمبادئ الثورة ( سعيد مهران ) ، من خلال التشنيع به و تحويله إلى مجرم خطير .

     في مقابل هذا ترصد رواية اللص و الكلاب الأخطاء التي وقع فيها معسكر الثوريين أو الأوفياء لمبادئ الثورة في مصر الناصرية( مثال سعيد مهران )، من حيث التنشئة و التكوين. ذلك أنه نشأ في وسط اجتماعي فقير ، وتلقى تربية دينية صوفية لا تعير اهتماما كبيرا لما هو اجتماعي _ اقتصادي في صغره . وحينما شب عن الطوق والتحق بالجامعة متأخرا تلقى تكوينا مناقضا لما نشأ عليه ، إذ انكب سعيد مهران على قراءة الكتب دون الواقع ، و تلقف كل ما كان ينادي به رفيق الأمس ( رؤوف علوان ) بلا غربلة أو نقد . كل هذا أثمر، ثقافيا و اجتماعيا وسياسيا، مثقفا عضويا هشا بفعل تكوينه الهجين، فكان من اليسير على أعداء المجتمع/ الثورة الإيقاع به في فخهم ( الخيانة / السجن / المطاردة بعد السجن إلى حد الموت )، ليفشل في تحقيق العدالة الاجتماعية. و أمام المحاولات الثورية الاندفاعية الفاشلة تصبح هذه الشريحة الاجتماعية، التي يرمز إليها سعيد مهران، على وعي باستعصاء تغيير الواقع. و بالتالي تعيش موقفا مزدوجا يقوم ، من جهة، على المواجهة و المجابهة مع المركز ، وذلك بالانتقام منه لأنه تخلى عن الوفاء و خان( رؤوف علوان ) ، وهو انتقام من أجل النجاح في تحرير المجتمع من أغلال الفساد المستشري ، و من جهة أخرى تعيش هذه الفئة الوفية لمبادئ الثورة الانكفاء على الذات لبناء عالم داخلها تلوذ إليه . و هذا ما يرمز إليه حال سعيد مع عالم بيت نور ، الذي يشكل له بصيص أمل في تحقيق أحلامه الثورية : القضاء على الخونة / الكلاب ، و كذا عالم الشيخ علي الجنيدي : عالم روحاني محض ، ثم عالم المقبرة بما هو عالم موت محقق و نهاية مأساوية للمشروع الثوري و تكميم لصوت الوفاء و القضاء على الفساد و تحقيق العدالة الاجتماعية .

    إن سعيد مهران لص يسرق بصيص أمل ، كما سرق بروميثيوس شعلة النار ، توخيا لتحقيق مشروعه المجتمعي التقدمي الذي يجعل المجتمع خالٍ من الفساد . غير أن الأمل خاب بموت هذا اللص البروميثي  برصاص الكلاب الغادرة للثوار والخائنة لمبادئ الثورة و المعادية للمجتمع ، و هذا ما يرمز إليه رؤوف علوان .تلك الكلاب التي  مالت كل الميل نحو تحقيق مطامعها الشخصية الضيقة ، وأهملت المصلحة العامة للمجتمع المصري (سنة 1961وما قبلها) ، ودفعته بالتالي نحو حافة الارتكاس و الرجعية و التفسخ القيمي .

 

 


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بطاقات لغوية/ بطاقة الاستفهام

 بطاقات لغوية/بطاقة الاستفهام