مدون مهتم باللغة العربية و أدبها

الاثنين، 28 يونيو 2021

خطاب تكسير البنية : مثال إنشاء أدبي حول نص لنكن أصدقاء للشاعرة نازك الملائكة

 

 


لِنَكُنْ أَصْدِقَاء للشاعرة نازك الملائكة

1) لِنَكُنْ أَصْدِقَاءْ

28) سَتَذُوبُ لِتَسْقِي صَدَى الظَّامِئِينْ

2) فِي مَتَاهَاتِ هَذَا الْوُجُودِ الْكَئِيبْ

29) كَأْسَةً وَ لْتَكُنْ مُلِئَتْ بِالْأَنِينْ

3) حَيْثُ يَمْشِي الدَّمَارُ وَ يَحْيَا الْفَنَاءْ

 

4) فِي زَوَايَا اللَّيَالِي الْبِطَاءْ

30) لِنَكُنْ أَصْدِقَاء

5) حَيْثُ صَوْتُ الضَّحَايَا الرَّهِيبْ

31) نَحْنُ وَ الْحَائِرُون

6) هَازِئاً بِالرَّجَاءْ

32) نَحْنُ وَ الْعُزَّلُ الْمُتْعَبُونْ

7) لِنَكُنْ أَصْدِقَاءْ

33) نَحْنُ وَ الْأَشْقِياءْ

8) فَعُيُونُ الْقَضَاءْ

34) نَحْنُ وَ الثَّمِلُونَ بِخَمْرِ الرَّخَاءْ

9) جَامِدَاتُ الْحَدَقْ

35) وَ الَّذِينَ يَنَامُونَ فِي الْقَفْرِ تَحْتَ السَّمَاءْ

10) تَرْمُقُ الْبَشَرُ الْمُتْعَبِينْ

36) نَحْنُ وَ التَّائِهُونَ بِلَا مَأْوَى

11) فِي دُرُوبِ الْأَسَى وَ الْأَنِينْ

37) نَحْنُ وَ الصَّارِخُونَ بِلَا جَدْوَى

12) تَحْتَ سَوْطِ الزَّمَانِ النَّزِقْ

38) نَحْنُ وَ الْأَسْرَى

13) لِنَكُنْ أَصْدِقَاءْ ،

39) نَحْنُ وَ الْأُمَمُ الْأُخْرَى

14) اَلْأَكُفُّ الَّتِي عَرَفَتْ كَيْفَ تَجْبِي الدِّمَاءْ

40) فِي بِحَارِ الثُّلُوجْ

15) وَ تَحُزُّ رِقَابَ الْخَلِيِّينَ وَ الْأَبْرِياءْ

41) فِي بِلَادِ الزُّنُوجْ

16) سَتُحِسُّ اخْتِلَاجَ الشُّعُورْ

42) فِي بَعِيدِ الدِّيَارْ

17) كُلَّمَا لَامَسَتْ إِصْبِعاً أَوْ يَداً

43) وَ وَرَاءَ الْبِحَارْ

18) وَ الْعُيُونُ الَّتِي حَدَّقَتْ فِي غُرُورْ

44) فِي الصَّحَارَى ، وَ فِي الْقُطْبِ ، وَ فِي الْمُدُنِ الْآمِنَهْ

19) تَرْمُقُ الْمَوْكِبَ الْأَسْوَدَا

45) فِي الْقُرَى السَّاكِنَهْ

20) مَوْكِبَ الرَّازِحِينَ الْعَبِيدْ

46) أَصْدِقَاءٌ بَشَرْ

21) هَذِهِ الْأَعْيُنُ الْفَارِغَاتْ

47) أَصْدِقَاءٌ يُنَادُونَ أَيْنَ الْمَفَرْ ؟

22) سَتُحِسُّ الْحَيَاةْ

48) وَ يَصِيحُونَ فِي نَبْرَةٍ ذَابِلَهْ

23) وَ يَعُودُ الْجُمُودُ الْبَلِيدْ

49) وَ يَمُوتُونَ فِي وَحْدَةٍ قَاتِلَهْ

24) خَلْفَهَا أَلْفَ عِرْقٍ جَدِيدْ

50) أَصْدِقَاءٌ جِياعٌ ، حُفَاةٌ ، عُرَاه

25) وَ الْقُلُوبُ الَّتِي سَمِعَتْ فِي انْتِعَاشْ

51) لَفَظَتْهُمْ شِفَاهُ الْحَياه

26) صَرَخَاتِ الْجِياعِ الْعِطَاشْ

52) إِنَّهُمْ أَشْقِياءْ

27) سَتَذُوبُ بُكَاءً عَلَى الْجَائِعِينْ

53) فَلْنَكُنْ أَصْدِقَاءْ

نازك الملائكة ، شظايا و رماد ، المجلد الثاني ، دار العودة ، بيروت ، 1986 ، ص.143و ما يليها ( بتصرف )


نازك الملائكة (1923/2007) شاعرة و ناقدة عراقية ، انصب اهتمامها على الشعر الحديث ، نظما و تنظيرا . من أبرز أعمالها في الشعر : شظايا و رماد ، و كتاب قضايا الشعر المعاصر في التنظير للقصيدة الحديثة .
 

شروح مساعدة

  • مَتَاهَات الْوُجُود: مِسَاحَاتُه المُعْتِمَةُ الَّتِي يَضِلُّ سَالِكُهَا.
  • اَلْحَدَقُ :ج. حَدَقَة ، سَوَادُ الْعَيْن.
  • اَلنَّزِقُ: الطَّائِشُ .
  • أَصَاخَتْ: أَصْغَتْ وَ اسْتَمَعَتْ.

   

      الخطوة الأولى في القراءة 

    نقوم ببناء إشكالية عامة نؤطر فيها خطاب تكسير البنية فنيا و تاريخيا ،ثم نأتي على ذكر أسماء بعض الشعراء الأعلام الذين كسروا بنية الشعر العربي التقليدية و أسسوا لبنية حديثة مغايرة لنقف ، بشكل موجز ، عند صاحبة النص و نطرح ثلاثة أسئلة مناسبة للفهم و التحليل و التركيب . سؤال الفهم ( ماذا عن مضمون- مضامين القصيدة ؟) ، سؤال التحليل ( كيف عبرت القصيدة عن التجربة الإنسانية للشاعرة فنيا:الإيقاع – الصورة – اللغة نحويا وبلاغيا ؟) ثم سؤال التركيب ( هل استحضرت القصيدة المميزات المضمونية والخصائص الفنية لخطاب تكسير البنية الشعري ؟ ).

 مثال بناء إشكالية لقراءة قصيدة لِنَكُنْ أَصْدِقَاءَ


     خطاب تكسير البنية خطاب شعري حديث قام على تجاوز التصور التقليدي للشعر مضمونا و شكلا ، فأسس لتصور جديد يرى أن التفعيلة هي العنصر الأساسي في القصيدة الحديثة بدل نظام الشطرين في القصيدة القديمة ، كما أنه تحلل من قواعد الشكل التقليدي المتجسدة في وحدة الوزن و القافية والروي، و ذلك بجعل نظام القصيدة الحديثة إيقاعيا ينبثق من داخلها . و بالتالي فهو خطاب  يسخر الشكل لخدمة المضمون الشعوري – الانفعالي بتبني نظامي السطرالشعري  و الجملة الشعرية ، بعدما كان المضمون تابعا ، مع نظام البيت ، للشكل الذي يفرض عليه  فرضا. و قد كانت بدايات هذه التجربة الشعرية الحديثة المغايرة للتقليدي في الشعر العربي مع تجربة نازك ملائكة في قصيدتها الكوليرا سنة 1947، ثم تلتها تجربة بدر شاكر السياب التي تزامنت مع سنة النكبة 1948 ، و ما تلى ذلك من تجارب شعرية ، منذ خمسينيات القرن العشرين مع عبد الوهاب البياتي و عبد المعطي حجازي و أعضاء مجلة شعر ، أبرزهم الشاعرين يوسف الخال و علي أحمد سعيد ( أدونيس) . و تبقى شاعرتنا نازك الملائكة ( 1923-2007) ، ناظمة هذه القصيدة ،  أول من خرق سفينة التقليد وركبت أمواج التجاوز لنظام البيت ، والتأسيس لنظام السطر و التفعيلة ،و هي شاعرة عراقية اهتمت ، بالإضافة إلى قول الشعر على منوال شعر التفعيلة ، بالتنظير لهذا الأخير و الدفاع عنه في وجه المحافظين عبر مقالات و دراسات عديدة جمعت في كتابها قضايا الشعر المعاصر ، كما اتسعت تجربتها الشعرية لتسعة دواوين ، منها ديوان شظايا و رماد الذي اقتطف منه هذا النص الشعري . فما مضامينه ؟ و ما خصائصه الفنية ؟ و هل نجحت الشاعرة في استحضار مميزات خطاب تكسير البنية المضمونية و خصائصه الفنية في نظمها قصيدة لِنَكُنْ أَصْدِقَاءَ ؟

 الخطوة الثانية في القراءة

    بناء فرضية أو توقع مناسب لقراءة نصنا اعتمادا على عتباته مثل : العنوان ، المصدر .. و استعانة أيضا بدلالة بعض الأسطر الشعرية منه.

مثال بناء فرضية مناسبة لقراءة النص

     استنادا إلى العنوان الذي تتوجه من خلاله الشاعرة إلينا بدعوة إلى إقامة صداقة إنسانية مواجهة لوجود تسوده الكآبة والمأساة كما يدل على هذا السطران الثاني و الثالث ، نفترض أن القصيدة تتضمن مقابلة بين عالمين ، الأول مأمول و ممكن تؤثثه الصداقة الإنسانية ، في حين أن  الثاني واقعي مأساوي .

 الخطوة الثالثة في القراءة

    اكتشاف معنى النص و تكثيف مضامينه في فقرة منسجمة بعد تقسيمه إلى مقاطع شعرية دالة .

مثال تلخيص مضامين النص الشعري بعد تقسيمه إلى مقاطع شعرية دالة

       تنقسم القصيدة إلى أربعة مقاطع شعرية متفاوتة من حيث عدد الأسطر الشعرية . و ما يدلنا على صحة هذا التقسيم هو تكرار لازمة "لِنَكُنْ أَصْدِقَاءَ". تعلن الشاعرة دعوتها لنا من أجل عقد صداقة تكون سبيلا إلى نجاة الإنسان من قسوة الوجود و سطوة الزمن الموسومين بالمأساوية ، و ذلك في المقطعين الأول و الثاني ، و تؤكد في المقطع الثالث أن صداقة بني الإنسان ستقضي على أفعال بشرية شنعاء مثل القتل و الظلم و القسوة و الكبرياء ، وتقوي في قلوبنا المشاعر و الأحاسيس النبيلة تجاه الضعفاء و المقهورين ، ثم تمتد الدفقة الشعورية و تطول في المقطع الرابع أكثر من المقاطع الشعرية السابقة . و هو المقطع الشعري الذي تجعل فيه الشاعرة عقد الصداقة يشمل كل بني البشر ، العقد الذي يلغي الفوارق العرقية و الاجتماعية و الجغرافية ، و يوحد الناس حول سؤال المصير المشترك بينهم فوق سطح الكرة الأرضية .

 

الخطوة الرابعة في القراءة

 تحديد معجم النص و حقوله الدلالية ، و التمثيل لكل حقل بالألفاظ المناسبة من النص ، وإبراز العلاقة بينها.

 

                              * مثال فقرة منسجمة حول معجم قصيدة لِنَكُنْ أَصْدِقَاءَ

       يمكننا القول أن معجم النص يتوزع بين حقلين دلاليين ؛ الحقل الأول دال على الْوُجُودِ الْمَأْسَاوِيِّ ، و من الألفاظ الدالة عليه : الكَئِيب ، الدَّمَار ، الْفَنَاء ، الضحايا ، الرَّهِيب ،  الأَسَى ، الْأَنِين ، الْمَوْكِب الْأَسْوَد ، و الحقل الثاني دالٌّ على الْوُجُودِ الآمِن وَ الْإِنْسَانِيِّ ، و له من النص هذه الألفاظ ، على سبيل المثال لا الحصر : أَصْدِقَاء ، اخْتِلَاج الشُّعُور ، الْحَيَاة ، الرَّخَاء . و تجمع بين الحقلين علاقة تضاد في النص لأن الشاعرة تدعونا نحن _ بني الإنسان _ إلى مواجهة وجود يسحق الإنسانية و يشيع بين الناس الصراعات ، و هو وجود واقع ، بوجود ممكن تنعم فيه الإنسانية بالرخاء و الأمن ، و تجمع الناس فيه لُحْمَةَ الصداقة الإنسانية .
 
 
المكون الإيقاعي 

** مثال تحليل و دراسة المكون الإيقاعي في قصيدة لنكن أصدقاء

        تتكون القصيدة من أربعة مقاطع شعرية يتفاوت حجمها بتفاوت عدد الأسطر و الجمل الشعرية المكونة لكل مقطع ، فالمقطعان الأول و الثاني متساويان من حيث عدد الأسطر الشعرية ، إذ يضم كل مقطع ستة أسطر ، لكنهما يختلفان في طول الأسطر ، فتتميز الأسْطُر الشعرية في المقطع الأول بالطول مقارنة مع أسطر المقطع الشعري الثاني ، و هو تفاوت مرتبط بدلالة كل مقطع . فالدفقة الشعورية تطول ويطول معها السطر الشعري لأن الشاعرة تحدد مكان عقد الصداقة ، و المكان هو الوجود بشساعته ، بينما يعود قصر الأسطر الشعرية في المقطع الثاني إلى كون هذا الأخير يشير إلى أسباب عقد الصداقة . و إذا كان المقطعان الشعريان السالفان الذكر ( الأول و الثاني ) متكافئين من حيث عدد الأسطر الشعرية و الجمل ، فإن المقطع الشعري الثالث يشمل ضِعْفَ عدد الأسطر الشعرية فيها و زيادة (ستةَ عَشَرَ سَطْراً في المقطع الثالث و حده مُقَابِلَ اثْنَيْ عَشَرَ سَطْرًا في المقطعين الأول و الثاني معا )، و هذا يدل على اتساع الدفقة الشعورية / الشعور الانفعالي لدى الشاعرة أمام أفعال الإنسان الهدامة والعدوانية ، التي جعلت من الوجود وجودا مأساويا ، و هو ما دفعها إلى اقتراح عقد الصداقة دواءً  لمثل هذه الأفعال الشنعاء . ثم يصل اتساع الدفقة الشعورية ذروته و تصبح سريعة في المقطع الرابع ، حينما تعمم الشاعرة هذه الدعوة لعقد الصداقة على كل الناس بدون تمييز اجتماعي أو عرقي أو جغرافي.

من خلال تقطيعنا للسطرين الشعريين الأول و التاني تقطيعا عروضيا كما يأتي :

س 1 : لِنَكُنْ ( |||○ = فَعِلُنْ ) أَصْدِقَاء ( |○||○○= فَاعِلَانْ) .

س2 : فِي مَتَا ( |○||○=فَاعِلُنْ ) هَاتِ هَا ( |○||○= فَاعِلُنْ ) ذَلْوُجُو ( |○||○= فَاعِلُنْ ) دِلْكَئِيبْ ( |○||○○= فَاعِلَانْ) . نَسْتَنْتِجُ أَنَّ الشَّاعِرة قَدْ نَظَمَتْ قَصيدتها على بحر المتدارك . و بالنسبة لِرَوِيِّ نصنا الشعري فقد تميز بالتنوع ، حيث تقف الشاعرة وفقتها العروضية تارة بِرَوِيِّ الهمزة الساكنة ، و تارة ثانية بروي الباء الساكنة  وتارة ثالثة بِرَوي القاف ، مما جعل القافية قافية متنوعة و مُرَكَبَة أيضا، إذ يظهر الروي (الهمزة الساكنة ) في الوقفة العروضية للسطر الشعري الأول من القصيدة ، و يختفي في الوقفة العروضية للسطر الشعري الثاني ليحل محله الروي ( الباء الساكنة ) ، ثم يعاود الظهور من جديد في الوقفة العروضية للسطر الشعري الثالث ، و يستمر ظهوره في الوقفة العروضية للسطر الشعري الرابع  لتصبح القافية ، هذه المرة ، قَافِية مُتَتَابِعَةً. ويحصل أن تتطابق الوقفة العروضية مع الوقفة الدلالية بما هي تمام معنى السطر الشعري ، كما في السطر الشعري الأخير من القصيدة على سبيل المثال : ( فَلْنَكُنْ أَصْدقَاءْ ) ويدعى هذا التطابق  بين الوقفة العروضية و الوقفة الدلالية بالاتساق . غير أن المهيمن في قصيدتنا هو عدم التطابق بين الوقفتين ، مما يدل على عدم اكتمال الانفعال الشعوري / الدفقة الشعورية في السطر الشعري الواحد وتجاوزه للوقفة العروضية  لينتهي في السطر أو السطرين الشعريين المواليين ، مثلما نجد في السطر الثامن بداية المعنى واسمرار عدم تمامه ، رغم حصول الوقفة العروضية / الوقفات العروضية ، حتى نصل السطر الثاني عشر . و يسمى هذا اللاتطابق بين الوقفة العروضية و الوقفة الدلالية بالتضمين . و ترجع كثرته في قصيدة نازك إلى اتساع الدفقة الشعورية  و عدم انضباطها للوقفة العروضية ، تماشيا مع تصور تكسير البنية للشعر الذي يجعل الشكل في خدمة المضمون و تابعا له . كما ينبع من القصيدة نظامها الإيقاعي الداخلي المتمثل في التوازي النحوي و الصرفي و الدلالي بين السطر الشعري السادس و الثلاثين و السطر الشعري السابع و الثلاثين . وكذا في التكرار ؛ كتكرار بعض الصوامت مثل الهمزة و الباء و القاف والراء ، أو تكرار بعض الكلمات مثل : الأنين ، عيون ، بشر .. و تكرار الجملة _ اللازمة  لِنَكُنْ أَصْدِقَاء . و نستنتج أن القصيدة قد خرقت النظام الإيقاعي الخارجي المتمثل في وحدة الروي و القافية و نظام الشطرين ، و أسست لنظام إيقاعي جديد ينبثق من داخلها و يخدم الانفعال الشعوري بدل أن يمزقه كما كان يحصل مع نظام الشطرين .
 
 مكون الصورة الشعرية 

            *** مثال تحليل الصورة الشعرية في قصيدة نازك الملائكة و إبراز وظيفتها

       استخدمت الشاعرة نازك الملائكة الصورة الشعرية بمختلف تجلياتها من أجل التعبير عن الانتقال من عالم الوجود المأساوي إلى عالم الوجود الإنساني الآمن و المستقر . و من الصور الشعرية التي تعبر عن العالم الأول نجد ، على سبيل المثال لا الحصر ، أنسنتها للمجردات مثل الوجود في السطر الشعري الثاني الذي أسندت له صفة الكئيب ، فحذفت المستعار منه الذي هو الإنسان  (المشبه به ) و أبقت على ما يدل عليه من قرينة لفظية ( الكئيب ) ، وبالتالي نستنتج أن نوع الصورة في هذا السطر الشعري هو استعارة مكنية تنهض بوظيفة إيحائية ، إذ تشير إلى الحالة النفسية التي أفرزت الشعور الانفعالي للشاعرة تجاه الوجود الإنساني المأساوي ، و التحليل نفسه ينطبق على أنسنتها للقضاء الذي جعلت له عيونا جامدات الحدق في السطر الثامن ، و الزمان في السطر الثاني عشر ،الذي أضافت له سوط الجلاد . أما الصور الشعرية التي استندت إليها في تعبيرها عن الشعور الانفعالي تجاه عالم الوجود الإنساني القائم على الصداقة ، بما هي أخوة و احترام ،  نذكر منها ، على سبيل المثال لا الحصر ، استعارة أفعال السمع و الذوبان و السقي لتسندها ، من باب الاستعارة المكنية ، للقلوب القاسية التي ستتحول بفعل الصداقة إلى قلوب رحيمة ، وذلك في الأسطر الشعرية  الخامس و العشرين و السابع و العشرين والثامن و العشرين.
 
 مكون اللغة نحويا و بلاغيا

       نركز في هذا المكون على لغة النص ، فنكشف نحويا عن جملها الفعلية و جملها الاسمية و نبرز دلالة ذلك في النص من جهة. و نميز بلاغيا بين الجمل الخبرية و الجمل الإنشائية من جهة أخرى مع إبراز وظيفة ذلك في النص ، و لا ننسى الوقوف على أزمنة الأفعال و كذا الضمائر المهيمنة  و تبيان وظيفتها  .

**** مثال دراسة لغة النص نحويا و بلاغيا

       استخدمت الشاعرة نازك الملائكة ، في دعوتها لنا إلى عقد صداقة إنسانية ، جملا اسمية هيمنت في النص على الجمل الفعلية. و هو استخدام من جهة لوصف عالم الوجود المأساوي مثلما تقول الشاعرة : " فَعُيُونُ الْقَضَاءِ جَامِدَاتُ الْحَدَق"   (س. 8 ، س . 9) ، و كذا في السطر الشعري (18 ) بقولها : " الْعُيُونُ الَّتِي طَالَمَا حَدَّقَت فِي غُرور " ، " هذه الْأَعْيُنُ الْفَارِغَات " ( السطر 21) ، " الْقُلُوبُ التي سَمِعَتْ فِي انْتِعَاش صَرَخَات الْجِيَاع الْعِطَاش " في السطرين الشعريين 25 ، 26 . كما استندت إلى الجمل الاسمية من جهة أخرى لرسم لوحة إنسانية بألوان الحب و التضامن و الإخاء ، لوحة لعالم الوجود الإنساني المنشود ، و هذا ما يتجلى بوضوح بداية من السطر الشعري الثلاثين إلى نهاية المقطع الشعري الأخير من قصيدتها . وبين هذين اللوحتين : اللوحة الأولى القاتمة و اللوحة الثانية المنيرة شكل ضمير المتكلم الجمع ( نحن ) ، و الذي تكرر مع لازمة ( لنكن أصدقاء ) ، جسرا نعبره مع الشاعرة من عالم المأساة إلى عالم الانعتاق ، و هو الضمير الذي يدل على الإنسان في حالته السَّوِيَّةِ ، و في المقابل نجد ضمير الغائب ، الذي يشير إلى الإنسان غير السَّوي في علاقته بغيره ، فتارة يكون ضحية و تارة أخرى جلاد . ونختم باستنتاج أن لغة النص لغة مزدوجة بين طبيعة مأساوية من جهة تعبيرا عن عالم آلام الإنسان في وجود كئيب و طبيعة تفاؤلية من جهة أخرى توخيا لعالم يسوده السلم و السلام بفعل الصداقة الإنسانية . و بلاغيا كانت الهيمنة في القصيدة للجمل الخبرية استجابة لميل الشاعرة إلى إخبارنا عن عالمين متقابلين ، و يبقى لأسلوب الإنشاء الحيز الضيق الذي يفصل بين مقاطع القصيدة ، و المتمثل في اللازمة التي تكرر بأسلوب الأمر ، الذي أتى بصيغة المضارع المقرون بلام الأمر " لِنَكُن أَصْدِقَاء " . و هي اللازمة التي تشكل منطلق الشاعرة و منتهاها في هذا النص : الدعوة إلى عقد صداقة . 
 
       الخطوة الخامسة في القراءة

   نلخص فيها نتائج التحليل بالتركيز على مقصدية الشاعرة و الوسائل الفنية التي استعانت بها لبلوغ هذه المقصدية . ثم نمحص فرضية القراءة ، و نبرز مدى استحضار الشاعرة مميزات خطاب تكسير البنية مضمونا و شكلا في قصيدتها جوابا عن السؤال الثالث الذي طرح في ذيل مقدمة الإنشاء الأدبي .

مثال تركيب قصيدة لنكن أصدقاء

        توخت الشاعرة نازك الملائكة في نصها الشعري دعوة بني الإنسان إلى تجاوز كل ما يجعل وجوده مأساويا مع التأسيس لوجود يسوده السلم و السلام ، و تحقيق هذا التأسيس لا يتأتى إلا بتلبية طلبها القائم على عقد صداقة إنسانية.  و للتعبير عن هذه المقصدية استعانت الشاعرة بنظام إيقاعي حديث يقوم على تفعيلة المتدارك وبمعجم مناسب . و قد أسهمت الصورة الشعرية في التعبير عن التقابل بين عالم ترغب الشاعرة في تجاوزه وعالم تود التأسيس له ، و هذا ما جعل لغة النص لغة وصفية يتقاسمها المأساوي و التفاؤلي . و بهذا ، نؤكد أن الفرضية التي انطلقنا منها في قراءة قصيدة لنكن أصدقاء فرضية صحيحة . و قد نجحت الشاعرة في نظم قصيدتها على منوال قصيدة التفعيلة ، و ذلك بانتصارها للتعدد في الأرواء و القوافي ، وربط حجم السطر والمقطع الشعريين  بحجم الانفعال الشعوري ، و بالتالي جعلت الشكل تابعا للمضمون و خادما له في قصيدتها .

( التقويم  لكم / لكن و ينبغي أن يكون الرأي الشخصي معززا بحجج و أدلة )


 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بطاقات لغوية/ بطاقة الاستفهام

 بطاقات لغوية/بطاقة الاستفهام